بدأت صباح اليوم بصلالة أعمال ندوة “محافظة ظفار في ذاكرة التاريخ العُماني” التي تُنظمها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، بالتعاون مع محافظة ظفار وتستمر لثلاثة أيام، وذلك تحت رعاية صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار، وسط حضور نخبة من الأكاديميين والباحثين من داخل سلطنة عُمان وخارجها. وتستمر الندوة ثلاثة أيام، تُعقد خلالها سبع جلسات علمية تتناول 33 ورقة عمل، توزعت على خمسة محاور رئيسة هي: التاريخي والسياسي، الاقتصادي والاجتماعي، الثقافي والعلمي، إضافة إلى محور الوثائق والمخطوطات والرواية الشفوية.
كلمة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية
ألقى سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، كلمة في افتتاح ندوة ظفار في ذاكرة التاريخ العُماني، أكد فيها على الدور الريادي للهيئة في إبراز الجوانب الحضارية والتاريخية والفكرية لسلطنة عُمان، وما قدمته عبر تاريخها العريق من إسهامات في نشر قيم التسامح والسلام، وبناء علاقات واسعة مع دول العالم. وأشار إلى ما تكشفه الوثائق من إنجازات العُمانيين في العلوم والمعرفة، ومنها علم الفلك والملاحة البحرية، وما كان لذلك من أثر في ازدهار التجارة ونشر رسالة الإسلام.
وأكد الضوياني إلى أن عُمان شكلت على مر القرون نموذجاً في التراحم والوحدة الوطنية، متمسكة بمبادئها الإنسانية، وهو ما انعكس على استقرارها وامتداد علاقاتها الدولية. كما أكد أن الوعي بالتراث واستثماره هو أساس لبناء الحاضر والمستقبل، خاصة في ظل النهضة المتواصلة بقيادة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم. وفي سياق الحديث عن محافظة ظفار، أبرز مكانتها التاريخية والتجارية ودورها العسكري، مستشهداً بمساندتها لحملة الإمام الصلت بن مالك.
ظفار عبر الأزمنة والوثائق
افتُتحت الجلسة الأولى بإدارة الدكتور علي الريامي، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، حيث استهلها الباحث سعيد بن خالد العمري بورقته “ظفار ومسمياتها التاريخية والاستيطان البشري القديم”. تناول الباحث أسماء ظفار في النقوش الأثرية والمصادر الكلاسيكية واللغات القديمة واللهجات المحلية، مبرزًا كيف تحوّل الاسم من مسمى لمدينة إلى اسم لإقليم كامل، كما استعرض شواهد الاستيطان البشري منذ العصور الجيولوجية حتى العصر الحديدي، حين ازدهرت تجارة اللبان وظهرت الموانئ التجارية.
ظفار في الوثائق الصينية
ثم قدّم الدكتور حبيب بن مرهون الهادي ورقته “ظفار في نهايات العصور الوسطى: دراسة في الوثائق الصينية”، حيث ألقى الضوء على عمق العلاقات بين ظفار والصين، مستعرضًا ما ورد في الحوليات الصينية حول احتكار الأباطرة الصينيين لتجارة اللبان الظفاري، وذكر أسماء بعض حكام ظفار وسفرائهم، إلى جانب توثيق رحلات الأسطول الصيني بقيادة الأدميرال المسلم تشنغ خه في بدايات القرن الخامس عشر.
السفينة باليزا
أما الباحث سالم بن أحمد الكثيري فقدم دراسة بعنوان “زيارة السفينة الإنجليزية باليزا لإقليم ظفار بين 1833 و1846م”، التي حللت دوافع الزيارات البريطانية سواء السياسية أو الاقتصادية أو العلمية ورصدت مساراتها ونتائجها المباشرة وغير المباشرة، مؤكدة أن تلك الزيارات مثّلت حلقة مهمة في التفاعل الإقليمي والدولي في القرن التاسع عشر.
طريق اللبان
ومن زاوية حضارية موسعة، تناول الدكتور جين هان جونغ من كوريا الجنوبية في ورقته “طريق اللبان من ظفار إلى كوريا: طريق الحرير البحري”، امتداد تجارة اللبان إلى أقصى شرق أوراسيا، مستندًا إلى مكتشفات أثرية تعود إلى القرن الثامن الميلادي في كوريا. وأثبت الباحث أن ظفار لم تكن فقط معبرًا تجاريًا للغرب، بل كانت حلقة وصل حضاري امتد حتى شرق آسيا.
ظفار في عهد الإمام
واختتم الجلسة الدكتور موسى بن سالم البراشدي من جامعة السلطان قابوس ببحثه “ظفار في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي (1059 – 1679م)”، الذي عرض صورة ظفار في المصادر الفقهية والأدبية، وناقش سيطرة الإمام سلطان بن سيف على ظفار وآثارها السياسية والاجتماعية، مسلطًا الضوء على أهمية هذه المرحلة في التاريخ العُماني.
وثائق وتحصينات وأبعاد جيوسياسية
أدار الجلسة الثانية الدكتور أحمد بن علي المعشني، حيث افتتحتها الدكتورة بهية بنت سعيد العذوبية بدراسة وثائقية بعنوان “جزر كوريا موريا في التاريخ العُماني: جيوسياسيًا ولوجستيًا وعسكريًا”. ركزت الورقة على أهمية الجزر منذ تنازل السيد سعيد بن سلطان عنها عام 1854م وحتى عودتها إلى السيادة العُمانية عام 1967م، مبينة أبعادها العسكرية ودورها في السياقين الإقليمي والدولي.
التحصيانات العسكرية
وأعقبها الدكتور عبدالعزيز بن حميد المحذوري ببحث حول “التحصينات العسكرية في ظفار في عهد الدولة البوسعيدية”، تناول فيه القلاع والحصون التي مثّلت ملامح بارزة في المشهد المعماري والتاريخي العُماني، موضحًا أدوارها في تعزيز الوجود الاستراتيجي للدولة البوسعيدية، إضافة إلى قيمتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ظفار في الوثائق الفرنسية
ثم جاءت ورقة الأستاذ الدكتور العروسي بن علي الميزوري من تونس بعنوان “محافظة ظفار في الدراسات الفرنسية المعاصرة”، حيث أشار إلى تنامي الاهتمام الفرنسي بتاريخ عُمان وتراثها، وكيف أسهمت تلك الدراسات في إثراء الحوار والتفاهم بين الحضارات، وجعلت من ظفار محورًا بحثيًا بارزًا.
تراث الشمال العُماني
واختتم الدكتور ناصر بن سيف السعدي من جامعة نزوى الجلسة بورقته “ظفار في نصوص تراث الشمال العُماني: تمثلات الاقتصاد والسياسة”، التي حللت حضور ظفار في النصوص الشعرية والتاريخية والفقهية، باعتبارها جزءًا أصيلاً من الوعي الجمعي العُماني، ومكونًا فاعلاً في التوازن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بين شمال عُمان وجنوبها.