تحت شعار التراث في زمن المخاطر..
الوثائق والمحفوظات الوطنية تحتفل بيوم المخطوط العربي
احتفلت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بفعاليات الدورة الخامسة للتظاهرة السنوية بيوم المخطوط العربي والذي يصادف الرابع من ابريل من كل عام تحت شعار ” التراث في زمن المخاطر “، وذلك تحت رعاية الدكتور سالم بن سعيد بن سالم البحري مستشار وزيرة التربية والتعليم لشؤون العلاقة مع المجتمع، وبحضور الدكتور جمعة بن خليفة بن منصور البوسعيدي مدير عام المديرية العامة للبحث وتداول الوثائق وعدد من مدراء العموم، إلى جانب المهتمين من الباحثين والمثقفين وطلبة الجامعات والكليات، والذي أقيم بكلية التقنية العليا بمسقط، يأتي ذلك ضمن مشاركة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية لعددً كبير من المراكز والمؤسسات البحثية والعلمية والجامعات في العالم العربي في الاحتفال بهذه التظاهرة الذي تبنتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الألكسو” منذ عام 2013، بهدف جعل التراث العربي المكتوب المتمثل في المخطوط العربي جزءًا حيوياً في الثقافة العربية المعاصرة، كما تهدف الى أن يكون محور اهتمام من المثقف العربي العام، لاسيما وهو يتناولُ في كلِّ عامٍ قضيَّة تمسُّ المخطوط العربيِّ، وتُلقى في الوقت ذاتِه بظلالها في حياتنا المعاصرة. يتجسد الاحتفال من خلال إقامة ندوة تعريفية بأهمية المخطوط ومكانته على مر العصور الى جانب إقامة معرض مصاحب لمختلف المخطوطات حتى يتسنى للمشاركين والزوار الاطلاع على هذا الإرث الحضاري.
كلمة الهيئة
استهل الحفل بكلمة قدمها الدكتور جمعة بن خليفة بن منصور البوسعيدي المدير العام للمديرية العامة للبحث وتداول الوثائق بالهيئة، قال فيها إنه من بواعث السعادة أنْ نحتفل سوياً في هذا المكان العلمي الشامخ، وعلى مسرح الكلية التقنية العليا بمسقط بمناسبة يوم المخطوط العربي الذي يُصادف الرابع من إبريل من كل عام، حيث يمثل المخطوط العربي والإسلامي رصيداً معرفياً ذا أهمية بالغة للأمة وهو أحد الركائز للهوية العربية والإسلامية والعالمية وقد أسهمت في إنتاج وثراء المخطوط ملل متعددة وشعوب مختلفة في مساحة جغرافية واسعة وحقب تاريخية ممتدة. ومنذ اعتماد المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في عام 2013م ليكون الرابع من إبريل يوماً للاحتفاء بالمخطوط العربي، من خلال البرامج والفعاليات التي يعدها وينفذها معهد المخطوطات العربية، أصبح لِيوم المخطوط يوماً عالمياً، ويهدف هذا اليوم إلى ترسيخ أهمية الوعي التراثي العربي والذي يعتبر جزء عضوي في الثقافة العربية والإسلامية المعاصرة. وأضاف البوسعيدي بأن التعريف بجهود الحضارة العربية ومنجزاتها وما خلَّفه أسلافنا من تراث رصين لا يزال الكثير منه مخطوطاً حتى يومنا هذا، ولا شك أنَّ الأمانة العامة للَّجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم من المؤسسات الثقافية والعلمية التي تولي أهمية في هذا الجانب، ويحمل يوم المخطوط العربي هذا العام 2017م شعار التراث في زمن المخاطر. وتأتي مشاركة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ضمن إطار التعاون مع معهد المخطوطات العربية لإلقاء الضوء على أهمية المخطوطات باعتبارها مصدراً تاريخياً وفكرياً واجتماعياً وثقافياً. ومن الضرورة نشر رسالة الوعي لهذا المخطوط والتعريف بأهميته وبالإنجازات الحضارية العربية، وإنَّ الهيئة تولي أهمية بالغة للمحافظة على المخطوط.
ووجه البوسعيدي في كلمته كلمة شكر وتقدير خاصه إلى أولئك الذين لا زالوا يحافظون على المخطوط، وكلمة شكر أيضاً إلى الكُتَّاب والنُسَاخ الذين امتهنوا كتابة المخطوطات، فبهم وعبر كتاباتهم وما أسند إليهم استطاعوا إضافة جوانب مشرقة في التاريخ العماني الخالد، ومشاهد من الحضارة الإنسانية بشكل عام. وترحم على أولئك الذين وضعوا أفكارهم ودونوا معارفهم وتركوا بصماتهم بين ثنايا المخطوطات ورحلوا عن الدنيا، فبقيت آثار كتاباتهم حيَّة تشهد على عظيم عطائهم.
المخطوط العربي
إنَّ المتأمل في مضمون المخطوط العربي سيجد أنه يشتمل على معارف مختلفة وعلوم متنوعة ولم تقتصر على مجال بذاته، بل شملت ميادين كثيرة من الأفكار والعلوم والآداب والفنون. وقد حظي المخطوط العربي بالاهتمام من قِبل الحكومات والأفراد، كيف لا، وهو الذي أبرز جوانب الحضارة العربية الإسلامية، وحفظ لنا كثير من تجليات هذه الحضارة العريقة. إنَّ سلطنة عُمان من الدول التي تحفل خزائنها وأرفُف مكتباتها العامة والخاصة، بآلاف المخطوطات المتنوعة والتي تعود لِحقب تاريخية مختلفة، وهذا الكم الكبير من المخطوطات يُعطي دلائل لا تدع مجالاً للشك بأن العُمانيين كانت لهم قَدَم السبق في التأليف والكتابة، وبأنهم اعتنوا بتسجيل معارفهم وأفكارهم وتدوينها في مخطوطات حفظتْ لنا جوانب مهمة من تاريخنا العريق. ولم تكن كتابة المخطوط بالأمر السهل، ولم يكن بمقدور الكثيرين اقتناؤه، نظراً لارتفاع ثمنه، ومع هذا الارتفاع المادي فلم يفكروا في المادة، كون المخطوط يحفل بالعلم والمعرفة والفكر والأدب. كما إنَّ المخطوط العُماني يتميز بالتنوع والتوزع، التنوع في مضمونه ومحتواه، فهو يزخر بعلوم شتى، ويتوزع على مختلف المحافظات والولايات، ولم يكن محصوراً في مساحة جغرافية ضيقة، وامتد حضوره إلى خارج عُمان، فوجِد المخطوط العُماني في مراكز البحوث والأرشيفات ومكاتب الجامعات والمكاتب الخاصة في الدول المجاورة والدول العربية، وتخطى ذلك إلى أوروبا وأمريكا فضلاً عن أسيا وأفريقيا. ولا ريب في أنَّ هذا الامتداد للمخطوط العُماني وهذا الانتشار الواسع لم يكن يتحقق لولا توفر عناصر وشروط جعلتْ من الآخرين يسهمون باقتناء المخطوط العُماني، وتأتي القيمة العلمية والفكرية في مقدمة هذه الأسباب، تليها أيضاً الحالة الفنية وجمالية الخط، وأصالة المواد وطريقة صناعته وتجليده. لقد كان المخطوط العُماني ولا يزال سفيراً عمانياً عربياً وإسلامياً يحمل بين سطوره رسالة العلم والمعرفة والفكر والمحبة والسلام وسيظل كذلك، لذا وجد من التقدير والاهتمام ما جعلتْ أنظار الباحثين والمفكرين ومُحبي التراث يُسارعون في الحصول عليه أو استنساخه. وقد عملت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية على الاهتمام بالمخطوط العماني والعناية به، فبذلت الجهد لأجل اقتنائه، وترميمه وإصلاحه وتعقيمه ليظهر بالصورة التي يرغبها محبوا العِلم. وقد استطاعت الهيئة من اقتناء آلاف من المخطوطات ما بين نُسَخ أصلية أو مصورة من داخل السلطنة وخارجها، وهي ماضية قُدُماً في هذا المجال.
أوراق العمل
دور الهيئة في الحفاظ على المخطوط
افتتح زكريا الخروصي الجلسة بورقة العمل الأولى بعنوان ” نظام فهرسة وتصنيف المخطوطات” تطرق فيها الى عدة محاور منها التعريف بنظام التصنيف وجداول مدد الاستبقاء، وخطوات المعالجة الذهنية للمخطوطات، والربط الإلكتروني للمخطوطات، وفي الوقة الثانية قدم سيف المحروقي فني وثائق بالهيئة ورقة عمل بعنوان ” المخطوطات العربية والعُمانية“ عرف فيها الباحث المخطوط، الى جانب عدد المخطوطات العربية والعُمانية، اضافة الى صناعة الأوراق المستخدمة في المخطوطات وأسواق الوراقون وطرائق صناعة الحبر، الى جانب أقدم المخطوطات وتوزيعها في عُمان وخارجها.
فيما عنونة الورقة الثالثة “بترميم وتجليد المخطوطات“ قدمها محمد السليمي رئيس قسم الترميم تطرق فيها الباحث مقدمة في الترميم ومفهوم الترميم والمبادئ وأوعية الترميم، اضافة الى اهمية وحاجة الترميم والمشكلات التي تواجه الحفظ، الى جانب أشهر مدارس في علم الترميم، والترميم في هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، والذي ينطلق من التدريب والتأهيل للكوادر البشرية حتى يتسنى لها العمل باحترافية بما يتناسب مع خصائص الوثائق العمانية وظروف الحفظ والبيئة المحيطة، والإمكانيات المتاحة لذلك، كما وتطرق الباحث الى المعامل التي تمتلكها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية والتي من خلالها تنطلق مراحل الترميم المختلفة منها توفير الأجهزة والتقنيات التي تساعد على توفير الوقت وتحقيق المزيد من الإنجاز بذات الجودة( معمل المعالجة الكيميائية، معمل الترميم الآلي، معمل الترميم اليدوي، معمل التجليد).
واختتمت الجلسة بالورقة الرابعة بعنوان ” تعقيم المخطوطات منظومة متكاملة ” قدمها فهد التمتمي فني تعقيم وثائق بالهيئة، وقال فيها تعد منظومة تعقيم المخطوطات التي تبنت رؤيتها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، والتي تم تطبيقها على أرض الواقع لتنفيذ رسالتها النبيلة منظومة متكاملة البناء، سهلة الاستعمال والتطبيق. فقد شملت تعقيم كل من المخطوطات والبيئة المحيطة بها والبيئة التي ستحفظ بها. ويأتي ذلك إيماناً من الهيئة بأهمية مرحلة التعقيم حيث تعد مرحلة التعقيم أولى وأهم الخطوات في طريق الحفاظ على المخطوطات في هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية وتأتي أهمية هذه المرحلة في ثلاث محاور تطرق لها الباحث المحور الأول القضاء على الآفات الحشرية والفطريات الموجودة في المخطوطات وأغلفتها الجلدية، والتي يسبب بقاؤها وعدم مكافحتها مع مرور الوقت الإتلاف الكامل لها، وقد تنتقل تلك الإصابات إلى مخطوطات وأخرى سليمة، والمحور الثاني الحرص الشديد على صحة كل من يتعامل مع المخطوطات سواء من موظفي الهيئة أو الباحثين والمتداولين لها، وفي المحور الثالث تطرق الى المراقبة المستمرة للمخطوطات والبيئة المحيطة بها والبيئة التي ستحفظ بها.
المعرض المصاحب
كما قام راعي الحفل بافتتاح المعرض المصاحب للفعالية، والذي يحتوي على العديد من المخطوطات الثمينة والنادرة، من بينها مخطوط بعنوان الأرجوزة في طلب العلم والفقه والأديان والأحكام والمواعظ والنصائح تأليف الشيخ محمد بن إبراهيم بن سليمان الكندي حيث تم تقسيم هذه الأرجوزة على أربعون باباً مختلفاً يتناول أحكام عديدة في مختلف نواحي الحياة والعبادات على هيئة قصائد شعرية، ومخطوط بعنوان الشرف الوافي في السير والفقه والنحو والصرف والعروض والقوافي تأليف إسماعيل بن العباس 10/8/1213هـ – 17/1/1799م يتناول المخطوط قصائد على قوافي بحور علم العروض، الى جانب مخطوط بعنوان تمهيد قواعد الإيمان وتقييم شوارد مسائل الأحكام والأديان للشيخ سعيد بن خلفان الخليلي 17/11/1303هـ – 17/8/1887م يتناول المخطوط بعض الأحكام الشرعية في مختلف جوانب الحياة، ومخطوط بعنوان نور الأزهار المنتخب من فنون الأشعار تأليف سليمان بن عامر بن واشلين 20/8/1263هـ – 3/8/1847هـ يتناول هذا المخطوط بعض قصائد الشعر العربي وخاصة في جانب الغزل لبعض الشعراء المعروفين مثل امرؤ القيس وأبو العلاء المعري وأبو نواس وغيرهم . واخر بعنوان بستان العارفين تأليف أبي الليث السمرقندي 29/7/836هـ – 21/3/1433م يتناول المخطوط أبواب عديدة في مجالات الفقه والشريعة ومختلف جوانب الحياة. وتم عرض مخطوط بعنوان صور الكواكب لابي الحسين عبدالرحمن بن عمر الطبري المعروف بابن الصوفي 374هـ – 984م يحتوي المخطوط على وصف دقيق لبعض الكواكب بالإضافة إلى بعض الأشكال لها. ومخطوط بعنوان توضيح المسالك في الفية ابن مالك تأليف أبي محمد عبدالله بن هشام الأنصاري 1074هـ 1663م يتناول هذا المخطوط علوم اللغة العربية في جوانب النحو والصرف، الى جانب مخطوط فلك الأنوار ومحك الأشعار للشيخ العلامة أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي نسخه سالم بن خميس بن خلفان الخروصي يحتوي المخطوط على مسائل فقهية وأجوبة عليها 24/7/1279هـ – 15/1/1863م