يواصل سرد التاريخ الحضاري لعمان
ويسهم في بث رسالة السلام التي مضى عليها العمانيين عبر التاريخ
المؤتمر الدولي الحضارة والثقافة الاسلامية والدور العماني في دول البحيرات العظمى الأفريقية
المعرض الوثائقي حكاية تسرد قصة سلام وتاريخ وحضارة حاضر ومستقبل
يواصل المؤتمر الدولي الحضارة والثقافة الاسلامية والدور العماني في دول البحيرات العظمى الأفريقية أعماله بمجموعة قيمة من أوراق العمل التي تواصل رفد الجانب العلمي والبحثي للتاريخ الحضاري لعمان، وذلك بتنوع الباحثين والدارسين المشاركين من مختلف دول العالم، حيث ابتدأت الجلسة الأولى لليوم الثاني من المؤتمر برئاسة الدكتور حامد كرهيلا، والتي شملت على ست أوراق عمل، جاءت الأولى للباحث جمعة بن خلفان بن صالح البطراني موجه كوادر دينية أول بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالسلطنة، والتي عنونها بالمؤسسات الثقافية في شرق أفريقيا، حيث يؤكد الباحث على أن المؤسسات الثقافية الدعوية لعبت دورا حيويا في شرقي أفريقيا في دعوة الناس إلى الإسلام والمضي قدما إلى الطريق الصحيح الذي اختاره الله لعباده ومن بين هذه المؤسسات أولا المساجد:والتي كان لها دورا إصلاحيا كبيرا في نشر الوعي الديني بجانب تثقيف الناس ونشر مبادىء الدين الإسلامي الحنيف، وقد كان للعمانيين ولا يزال لهم دور كبير في تشييد وعمارة بيوت الله تعالى في الشرق الأفريقي، ومن بين هذه المساجد التي كان لها دور ريادي والتي كان لها أيضا دور في الإصلاح مسجد السيد حمود بن أحمد البوسعيدي، وسأسلط الضوء على العلماء الذين تخرجوا في هذه المساجد وأصبح لهم باع في العلم كالشيخ قسور بن حمود بن هاشل الراشدي، والذي كان مفتيا لزنجبار والشيخ الداعية الأمين ابن على المزروعي. ثانيا الكتاتيب والمدارس والمعاهد: والتي لم يكن التعليم بشكله الحالي المنتظم معروفا في شرقي أفريقيا قبل مجيء العمانيين إلا مع زيادة الاتصال والاحتكاك بالعمانيين، حيث اعتمد في بداية الأمر على انتشار الكتاتيب، وقد كان يشرف عليها متخصصون في علوم الثقافة، ومن الجهود التي قام بها العمانيون إبان وجودهم هناك، وسيأتي التفصيل في ذلك مع ذكر لبعض الشخصيات التي كان له الدور الريادي في التدريس، ودور إصلاحي كالسيد المحسن حمود بن أحمد البوسعيدي الذي بنى مسجدا بزنجبار، والمدرسين الذين كانوا يقومون بالتدريس كالشيخ سعيد بن محمد الكندي وغيره. وثالثا المجالس ودور العلماء: ولها دور ريادي في توحيد الكلمة، وفي العصر البوسعيدي الزاهر الذي عرف المجالس الأدبية مثل مجلس السلطان برغش بن سعيد البوسعيدي، ومجلس الشيخ أبي سليمان محمد بن سالم بن محمد الرواحي. ورابعا الجمعيات الإصلاحية: وكانت بداية التنظيمات السياسية في شرقي أفريقيا سببا لظهور الجمعيات وسأذكر في طوايا البحث عددا من هذه الجمعيات التي كان لها دور إصلاحي واجتماعي، كجمعية اتحاد الشباب العربي والجمعية القمرية، وجمعية نشر الثقافة الإسلامية وغيرها، كما سيأتي الكلام عنها بالتفصيل في طوايا البحث مع ذكر بعض الشخصيات التي كان لها دور اصلاحي اجتماعي في نشوء هذه الجمعيات مثل الشيخ العلامة أحمد بن محمد ملمري، والسيد حافظ بن محمد بن هلال البوسعيدي، والشيخ عيسى بن سالم الرواحي. أما الورق الثانية للجلسة الأولى تحدثت حول مملكتي بوغندا وبونيورو وإصطدامهما بالإسلام: من الخطاب الشفوي إلى الكلمة المكتوبة حتى نشوء الكتابات التاريخي للدكتورة فيرا فيلهانوفا-باوليكوفا معهد الدراسات العربية بالأكاديمية السلوفاكية للعلوم براتيسلافا، سلوفاكيا، والتي تذكر في دراستها بأن مملكة بوغندا من أهم المناطق في شرق ووسط أفريقيا التي انتشر واكتسب الإسلام فيها دورا وموقعا قويا. واكتسبت الديانة الإسلامية مؤيديها في بوغندا من خلال توغل الأفكار الدينية جنبا إلى جنب مع عناصر الثقافة والحضارة الإسلامية، بما في ذلك المهارات الجديدة والحرف اليدوية وأسلوب الحياة واللباس الإسلامي، ومحو الأمية من خلال الخط العربي. وارتبط اعتماد الخط العربي ومحو الأمية بإنتشار اللغات الجديدة كالسواحيلية والعربية. وأصبح تعبير قراءة “اكوسوما” مفهوماً مرادفا لاعتناق الإسلام في وقت لاحق للمسيحية حتى أن المعتنقين للديانة كانوا يسمون بتعبير”القراء”. لقد شعر من تعلموا القراءة والكتابة بالحروف العربية أو بالأحرف الرومانية من أبناء بوغندا وبانورا بالحاجة إلى تدوين التقاليد التاريخي المحلي، وتسجيل ما يعرفونه عن تاريخ أمتهم، وتقديم التقارير المنقولة عن شهود العيان عن الأحداث المضطربة التي وقعت في أواخر القرن التاسع عشر. وتأكد الدكتورة في بحثها بأن التاريخ الإسلامي للأحداث يصحح وصف الحروب الدينية في بوغندا، وتاريخ تغلغل الإسلام إلى منطقة البحيرات الأفريقية الشرقية العظمى، والحروب بين بوغندا وبنيورو والضم والاحتلال الاستعماري البريطاني واحتلاله لهذه المنطقة المدون بقلم البروتستانت والكاثوليك. ويمكن الاستفادة من هذا التاريخ كثقل توازن مفيد للتأريخ البروتستانتي والكاثوليكي السائد. والورقة الرابعة تحدث عن الوجود العماني في جمهورية الكونغو للدكتور محمد بن ناصر بن راشد المنذري مستشار شؤون البرامج الدينية بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بسلطنة عمان، وتؤكد دراسته بأن توغل العمانيين إلى قلب القارة الأفريقية في عام 1824م تشكل نقطة انطلاقة؛ لاكتشاف ما تزخر به تلك المناطق من خيرات طبيعية استطاع العمانيون أن يحولوها إلى سلع رائجة، وبمرور الزمن تعاظم نفوذ التجار العمانيين في الداخل الأفريقي حيث كانوا حلقة وصل بين سكان الساحل الشرقي لأفريقيا وسكان وسط القارة وكان لهم دور كبير في تذليل الصعاب التي كانت تكتنف ذلك التواصل فاخترقوا الغابات الاستوائية حتى وصلت قوافلهم أرض الكونغو، مستغلين في ذلك مهارتهم الملاحية، فاستقلوا أفرع نهر الكونغو للدخول إلى أغوار الكونغو وغاباته الكثيفة، ويذكر صاحب كتاب “جهينة الأخبار” بأن العمانيين في عهد السلطان سعيد بن سلطان هم أول من اكتشف مجاهل القارة الأفريقية، وهم أول من روى الحكايات عن وجود البحيرات والجبال ذات القمم الثلجية، ومن أشهر الشخصيات التي أسهمت بدور فاعل في ذلك التواصل الحضاري هو التاجر العماني (حمد بن محمد المرجبي)، أحد أشهر التجار العمانيين في شرق أفريقيا في مطلع القرن التاسع عشر الذي أوصل رسالة الإسلام إلى الكونغو، وأسس فيها إمارة عربية، ومن ذلك الحين أخذ العمانيون يتوافدون إلى تلك البلاد، وكان لهم نشاط اقتصادي كبير أسهموا به في إثراء خزينة الدولة في زنجبار. أما البحث الرابع تحدث حول دور أدب الرحلة في توثيق العلاقات العمانية بجنوب شرق أفريقيا قراءة نقدية في رحلة “مِن الفرضاني” للدكتور خميس بن ماجد بن خميس الصباري كلية العلوم والآداب – قسم اللغة العربية جامعة نزوى، والذي يبين بأن أدب الرحلة من الفنون الأدبية المهمة في التاريخ الإنساني على مدى الأزمنة والدهور؛ لما له من دور عظيم في توثيق كثير من الأنشطة الإنسانية: الدينية والسياسية، والعلمية والاقتصادية، والاجتماعية وغيرها؛ لتبقى حاضرة في ذاكرة التاريخ، ومعمقة لكثير من الصلات الإنسانية. ويؤكد بأن الرحالة يعد ّ شخصا ذا قدرة فائقة حساسة على استقراء جغرافية الأماكن التي يزورها؛ لتسجيل أبعادها، وتوثيق واقعها، وفق ما يراه من مشاهدات، وما يلاحظه من ملاحظات، أو ما يسمعه من أخبار متواترة؛ بما يعكس عنها صورة تؤرخ لكثير من مواقفها الحيوية المهمة. وقد كانت عمان منذ فجر التاريخ ذات علاقات إنسانية مميزة بالقارة الأفريقية؛ حيث مخرت سفنها عبر المحيط؛ للوصول إلى جنوب شرق أفريقيا؛ فكان التواصل بينهما تواصلا تاريخيا شمل العديد من المدن الأفريقية الساحلية، وغير الساحلية؛ مما ترك آثارا بارزة، ومعالم حضارية يشهد لها التاريخ الإنساني. ويركز هذا البحث على رحلة بعنوان:”مِن الفرضاني” للدكتور محمد بن ناصر المحروقي، وهي رحلة قام بها إلى الشرق الأفريقي في عام 1992م؛ وقد تناول هذا البحث مناقشة موضوعات الرحلة؛ بدءا من العنوان “مِن الفرضاني” وهي كلمة سواحلية تعود إلى أصل عربي هو (الفرضة) ومعناها “محط السفن”. وكان الهدف منها؛ الوقوف على شعر العلامة ناصر بن سالم الرواحي؛ ليكون موضوعا له في دراسة الماجستير، وليلتقي بأقاربه العمانيين هناك، وليرى طبيعة الشرق الأفريقي الساحرة. ثم ينتقل الحديث عن المنهج الذي اتبعه الكاتب الذي حدده بمحطات الرحلة بدءا من مطار مسقط، ثم دار السلام، ثم زنجبار وإلى باقي المحطات منها: ممباسا، وتانجا، وأروشا وتاليزا، وموانزا، وكياكا (على الحدود التانزانية الأوغندية)، ثم يتناول لغة الرحلة وهي لغة أدبية سهلة؛ تحمل ملامح ثقافية من خلال ما يستشهد به الكاتب من شواهد أدبية، وملامح ثقافية سواحلية، وما تتضمنه من دلالة للتعبير عن الأبعاد النفسية المتعلقة بوشائج العلاقات العمانية الشرق الأفريقية، ثم بيان أهم العلاقات الدينية والسياسية، والثقافية والاجتماعية التي تستقرأ من واقع هذه الرحلة، وما يُستشفّ من خلالها من علاقات إنسانية طيبة بين عمان وجنوب شرق أفريقيا. والبحث الخامس للجلسة الأولى جاء بعنوان العلاقات التجارية بين عُمان وشرق أفريقيا قبل الإسلام: دراسة تاريخيه للأستاذ دكتور شاكر مجيد كاظم الحواني قسم التاريخ، كلية الاداب، جامعة البصره جمهورية العراق وتناول في البحث العلاقات التجارية بين عُمان وشرق أفريقيا قبل الإسلام والتي يعود تاريخها إلى فترات موغلة بالقدم حيث اتصلوا بالمدن والموانىء المطلة على الساحل الشرقي الأفريقي التي امتدت من الساحل (بنادر) في الصومال مرورا بمقاديشو شمالا إلى سفالة الزنج جنوبا وقنبلو وحتى ساحل موزنبيق، بل إنهم وصلوا إلى مصب نهر الزمبيزي، بالاضافة إلى جزر سقطرى، وبمبا وزنجبار، ووسعوا تجارتهم إلى ازانيا بهدف التجارة والاستيطان؛ وقد أقاموا فيها عدة مراكز لتجارة الذهب والعاج والتوابل والرقيق وريش النعام وخشب الابنوس والعنبر والقرفة، وساعد التزاوج بينهم وبين الأفارقة على نقل الثقافة ولغة العرب اليهم، ويشير البحث إلى أسباب تمركز العمانيين في سواحل شرق أفريقيا. وسنتطرق بالبحث إلى اشتهار العمانيين منذ القدم بركوب البحر، إذ كان لهم أكبر أسطول بحري حتى وصفوا بانهم أرباب المراكب، وذكروا كثرة نواخذتهم الذين يتولون ادارة السفن في سواحل الشرق الأفريقي والبحر العربي والمحيط الهندي، ونشير إلى أهم موانى عُمان القديمة: رأس مدركة ومرباط الذي اشتهر بتصدير البخور، وظفار ودبا الذي كان في ذلك الوقت سوقا تجاريا ً، وميناء حضرموت الذي ويبحرون من خلاله باتجاه شرق أفريقيا، وميناء رأس فرتك المخصص لشحن اللبان من السواحل العمانية إلى سواحل شرق أفريقيا. كما يتناول البحث دور تجارعُمان بالاستفاده من الرياح الموسمية، وهم أول من اكتشفها في تجارتهم مع شرق أفريقيا، إذ كانوا يقومون برحلتين في السنة ويتناول البحث مواعيد تلك الرحلات، كما يتطرق البحث إلى الحديث عن اشتهار أهل عُمان بصناعة السفن التي يستخدمونها في التجارة مع شرق أفريقيا، ومنها المعروفة باسم “الداو” (Dhow)، ونوع اخر يعرف باسم سفينة ابن يامن، وقد اشتهر ميناء عُمان بصناعة الزوارق، إذ أوردنا بالبحث وصفها وطريقة صناعتها، واستخدم العمانيون شحم الحوت في طلاء المراكب واستخدام فقراته كمقاعد للجلوس. وجاءت الورقة الأخيرة في الجلسة الأولى بعنوان أبعاد الدبلوماسية العمانية في شرق وأواسط أفريقيا (القرن 19الميلادي) للباحث منذر بن عوض بن عبدالله المنذري من دار الاوبرا السلطانية مسقط، حيث يذكر في بحثة بأن الهجرات العربية عامة والعمانية خاصة إلى شرق وأواسط أفريقيا شكلت تغيرا في مجريات التاريخ في تلك المنطقة، وكان للعمانيين دبلوماسية واضحة استطاعوا بحنكتهم ودرايتهم الكبيرة، أن يوسعوا من رقعة الحضارة العمانية الإسلامية إلى شرق وأواسط أفريقيا وغيرها من المناطق، وأن يحذوا حذو الحضارات التي سبقتهم هناك سواء من ناحية الدولة السياسية، أو بجهود فردية، هذه الدبلوماسية ناتجه عن حضارة عربية قامت في عمان واستفاد منها العمانيون هناك، خاصة لطرد الاحتلال الأجنبي من تلك المناطق وتحريرها ونشر الدين الإسلامي وصولا إلى شرق أفريقيا. كما كان للدبلوماسية العمانية دورا في مواجهة بعض الخصوم وحتى من العمانيين أنفسهم (صراع السلطان سعيد بن سلطان مع بعض القبائل مثالا) وصولا لتوحيد الراية والمصلحة العامة نتج عنه ازدهار حضاري عظيم ونمو في مختلف مجالات الحياة وخاصة السياسية والاقتصادية والعمرانية وغيرها. كما كان لاحتواء الدولة العمانية للسياسيين والقناصل الأجانب في تلك المناطق دورا في بلورة المصالح العامة هناك، وصولا إلى الاستقرار وتكوين حضارة عظيمة، تحاورت مع غيرها من الحضارات، وشهد لها التاريخ.
وبعد أن أثرت الجلسة الأولى الحضور بدراسات وبحوث قيمة واصل المؤتمر في الجلسة الثانية تقديم دراساته حيث شملت الجلسة على ثمانية بحوث، وترأسها الأستاذ دكتور ماري خوسية بيجنداكو ، واعطى الإذن ببداية الجلسة الثانية للإستاد دكتور ابراهيم عبد المنعم سلامة أبو العلا من كلية الآداب والعلوم الاجتماعية – جامعة السلطان قابوس، حيث تحدث في دراسته حول مَقديشو مركز مهم للتجارة والثقافة الإسلامية بساحل شرق أفريقيا بين القرنيين الرابع والثامن الهجريين، وتسلط دراسته على مكانة مدينة مَقدَيشو الصومالية كأحد أهم مراكز التجارة والثقافة الإسلامية بساحل شرق أفريقيا منذ تأسيسها في بداية القرن الرابع حتى منتصف القرن الثامن الهجريين. فقد كانت مدينة كبيرة، وبها كانت تصنع الثياب المنسوبة إليها، وبها المتاع الكثير، وكانت تتجمع فيها أيضًا تجارة السودان والحبشة والصومال وشرق أفريقيا، وكانت السفن التي ترفئ إليها من العراق والخليج وبلدان الجزيرة العربية والهند والصين تحمل منها كما ذكر ياقوت الحموي ما تزخر به من ثروة حيوانية هائلة، والصندل والأبنوس والعنبر والعاج. وكان أهلها تجاراً أقوياء مهرة، وكانوا يُكرمون التجار الغرباء ويقومون بأمرهم. وقد برزت شهرة مقديشو منذ أن هاجر إليها بعض زعماء قبيلة الحرث العربية الإحسائية، واستقروا فيها، ونهضوا وغيرهم من التجار العرب، خاصة العمانيين بواجب الدعوة إلى الإسلام، وبذلوا في سبيل ذلك جهدًا واضحًا أسفر عن انتشار الإسلام في هذه المدينةوغيرها من مدن الصومال، فحين وفدوا إليها حدث تغير كبير في معتقدات سكانها، فقد شيدوا المساجد، لتأدية الصلاة والشعائر الإسلامية، وأسسوا أيضا مراكز التعليم التي تحولت إلى دور لنشر الثقافة الإسلامية وتعليم اللغة العربية، وقد تحولت المساجد والمدارس إلى مراكز علمية حضارية ينهل من معينها العرب والأفارقة بالساحل والبر الأفريقي، ولا غرو فقد جعل ابن سعيد الأندلسي مقديشو أهم مدن الإسلام وأشهرها بشرق أفريقيا، وقد زارها الرُحالة ابن بطوطة زمن سيطرة بني نبهان العُمانيين عليها سنة 731هـ/1331م، وأعجب بسلطانها ورجال العلم وطلبه في مدينته، لما عرفوا به من الورع والتقوى، وإكرام الغرباء من التجار والفقهاء والصالحين وتوقيرهم، وأعجب أيضا بنظام الفصل بين الناس وأهل الشكايات القائم على مبادئ الشريعة والشورى الإسلامية. والورقة الثانية بعنوان زنجبار وبوغندا في القرن 18، للباحث إسحاق ستوب محاضر ومترجم تحريري وفوري حرا وباحثا من أوغندا وتتتبعفي ورقته نشأة وتطور العلاقات بين سلطنة زنجبار/عمان ومملكة بوغندا في القرن الـ 18، من خلال القيام بإعادة قراءة فاحصة لكل من المصادر الإنجليزية والبوغندية. وقد أدت مغامرات التجار والمسافرين الزنجبارين إلى الدواخل الأفريقية إلى وصول الإسلام إليها من غير وجود حملات تبشيرية رسمية. وبعد تشكل الفكر الديني التوحيدي الجديد، ظهرت جوانب ثقافة مادية بدءاً من محو الأمية واللغة إلى اللباس والطعام. وتفاعل جميع ملوك غاندا مثل: سونا الثاني، موتيسا الأول، موانغا الثاني، كيويوا موتيبي ونوهو كليما مع العرب والسواحيلين الذين قدموا من السواحل، وتعلموا منهم الإسلام بدرجات متفاوتة، وقاموا بتوظيف بعض منهم في ككتبة، ومستشارين ومعلمين، وكثير منهم استقر في بوغندا. وفي ظل حكم الملك موتيسا الأول والملك كليما ازدهرت العلاقات التجارية والدبلوماسية؛ نظرا لحركة القوافل وتبادل الرسائل والسفارات. وشهدت فترة حكم الملك كليما ظهور العاصمة التي أطلق عليها لنجوجا (اونجوجا/زنجبار)، ومحاولات للوصول إلى السلطان لإمداده بالذخيرة والتوجيه، حتى يقال أن مبعوثي موتيسا خرجوا في البحث عن الأم المفقودة، والورقة الثالثة بعنوان السيرة الحسنة والتعايش البناء للعمانيين بوجودهم في دول البحيرات للدكتور أحمد بن يحيى بن أحمد الكندي أستاذ مساعد بقسم العلوم الإسلامية، جامعة السلطان قابوس وتتناول في الورقة السيرة الحسنة والتعايش البناء للعمانيين بوجودهم في دول البحيرات (تنزانيا، أوغندا، رواندا، بوروندي، الكنغو)، وتضمنت الورقة المباحث الآتية:المبحث الأول: السيرة الحسنة وتجليات روح التعايش البناء للعمانين في الفكر والاجتماع، وذلك من خلال عرض نماذج تبرز روح التعايش وحسن السيرة من خلال المنظومة الفكرية والاجتماعية وظهورها في الشخصية العمانية. المبحث الثاني: السيرة الحسنة والتعايش البناء للقادة السياسيين العمانيين الذين كان لهم حضور وتأثير في دول البحيرات؛ سواء التجارب القديمة الممثلة في هجرات الأمراء أو ظهور ذلك بقوة وقت الامتداد السياسي العماني في شرق أفريقياء أيام السلطان سعيد بن سلطان. المبحث الثالث: السيرة الحسنة والتعايش البناء للعلماء والدعاة العمانيين الذين قاموا بدور مؤثر في دول البحيرات، وسيعرض الباحث نماذج للفتاوى أو الأجوبة المترجمة لروح التعايش مع الغير وكذلك نماذج من التطبيقات العملية لهؤلاء العلماء والدعاة في ذلك، وبما عزز روح الأخوة والتعاون والألفة، والمبحث الرابع: السيرة الحسنة والتعايش البناء للتجار والرحالة العمانيين الذين نشطوا في دول البحيرات، وسيعرض الباحث نماذج منهم وأثر تجاربهم الإنسانية البناءة، والمبحث الخامس: شهادات المؤرخين الأوروبيين المنصفين للسيرة الحسنة والأخلاق الطيبة التي تعامل بها العمانيون مع سكان شرق أفريقيا ومن ذلك قول هاملتون “أن العمانيين لم يقتلوا أي رجل عمدا وكانوا يتعاملون مع الأسرى بكل احترام”، والورقة الرابعة للجلسة الثانية بعنوان الطابع الحضاري لزنجبار في العهد البوسعيدي :دراسة دلالية في وثائق الوصايا والوقف (1882-1938م) الدكتور إيهاب محمد أبو ستة أستاذ مساعد، جامعة نزوى، كلية العلوم والآداب، قسم اللغة العربية،حيث هدف في بحثه إلى سبر أغوار الدلالة اللغوية ومن ثَمَّ الاجتماعية لألفاظ مخطوطات الوصايا والوقف في جزيرة زنجبار (1882م-1938م)، والمجموعة في مجلدين طُبِعا بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بسلطنة عمان. لدارس هذه الوثائق – وعدتُها مائتان وأربعٌ وثمانون وثيقة – أن يتبين طابعًا دينيًا عامًّا هو الأبرزُ فيها، من وصايا تجهيز الموتى، والكفارات بأنواعها، وما يوصَى به للأقربين غير الوارثين، ولفقراء المسلمين وللمساجد، ويتسع الأمر ليكشف عن طابع حضاري زاهر (اقتصادي، ومدني، وزراعي، وتوثيقي، وتسامح مذهبي)، ثم عن دور عظيم للمرأة في الاقتصاد، وحريتها في التصرف فيما تملك، كل ذلك يكشفه واقع لغوي رسمي ذو سمات كتابية واضحة تمثلها هذه الوثائق. كان ازدهار النشاط الزراعي في زنجبار – بأثر من الوجود العماني إبَّان العهد البوسعيدي – مدعاة لازدهار اقتصادي فريد حوَّل جزيرةَ زنجبار إلى مركز تجاري جَذَب عددًا كبيرًا من مختلف الجنسيات والأعراق؛ فهناك عربُ عُمَان واليمن، وهناك الهنود، وهناك الفرس الشيرازيون، وهناك الأوروبيون: برتغاليون وإنجليز وألمان، وهناك السكان الأصليون السواحيليون. اقتضى الظرف الحضاري آنذاك أن يتعاملَ العرب بلغتهم مع هذه الأعراق بلغاتها فأثرت العربية وتأثرت، وظهر ذلك جليًّا أحيانًا، وعلى استحياء أحيانًا أخرى – في وثائق الوصايا والوقف المشار إليها، ما أسفر عن بعض تبيُّنٍ لوجه من وجوه الحياة؛ وما اللغة إلا ظاهرة اجتماعية تعكس شيئًا من ملامح هذا الوجه حول النظر في دلالات الألفاظ الحضارية في هذه الوثائق، وما يستنبط منها من السمات الاجتماعية والحضارية للمجتمع الزنجباري في تلك الفترة، ثم تحقيق هذه الوثائق حول ذلك كله يدور هذا البحث. وأتت الأوراق تواليا لتتحف المؤتمر بالعناوين التالية ثراء التواصل العلمي العماني مع شرق أفريقيا من خلال مؤلفات الردود العلمية للدكتور صالح بن أحمد البوسعيدي أستاذ مساعدبكلية التربيةجامعة السلطان قابوس، حيث سليط الضوء على مؤلفات الردود العلمية خاصة، وما تحمله من مضامين حضارية وفكرية تعزز قيم التواصل الحضاري بين عمان وشرق أفريفيا، وما تتضمنه من تباحث في الهموم المشتركة التي تهم الجانبين العماني والأفريقي، وسيكون التركيز على الرسائل التي يكتبها العلماء كرد علمي ديني على بعضهم البعض في بعض المسائل التي تكون مثاراً للخلاف وتعارض الآراء بين العلماء، وتعبر عن عمق الترابط الفكري بين العلماء هنا وهناك، كما يمكن أن يستخلص منها الكثير من اللمحات الحضارية من حيث استخدام مصطلحات أو كلمات معينة، أو من حيث الموضوعات التي ركزت عليها والتي كانت تشغل أذهان الناس بحيث تجاوز الاهتمام بها المحيط الهندي لتصل إلى الجانب الآخر منه، و ورقة بعنوان دور المرأة السياسي في شرق أفريقيا للباحثة بدرية بنت على بن جمعة الشعيبي مشرف تربوي، وزارة التربية والتعليم بسلطنة عمان، حيث أبرز بحثها حول دور المرأة العمانية والأفريقية السياسي في شرق أفريقيا ويتبع المنهج التحليلي الوصفي. وجاءت الورقة التالية بعنوان الانصهار العربي الأفريقي من خلال الاحتفالات الدينية والطقوس العقائدية:النموذج الأفروعُماني للدكتور محمود قطاط أستاذ متميّز بالجامعة التونسية، حيث بين تكامل التأثير العميق للحضارة العربية الإسلامية في حياة المجتمعات الأفريقية، مع ما تركته هذه الأخيرة بدورها من بصمات قوية في أكثر من مجال، وأفرز روحانية مزدوجة بين المعتقدات الشعبية الأفريقية (كالإحيائية) والديانات السماوية لاسيما المسيحية وخاصة الإسلامية موضوع بحثنا، نوعية مميّزة من الاحتفالات الدينية والطقوس العقائدية زاد في تغذيتها انتشار النزعة الطرقية للتصوف. و الورقة الأخيرة بعنوان الوجود العماني في وسط أفريقيا و دوره في إرشاد المستكشفين الأوربيين (1870-1888م)للباحث ناصر بن عبدالله بن سالم الصقري من وزارة التربية والتعليم سلطنة عمان، وتناولت الورقة الدولة العمانية في أواسط القارة الأفريقية في عهد السلطان برغش بن سعيد (1870-1888م)، وذلك اعتمادا على الوثائق المتوفرة في هذا الموضوع؛ والتي تبين لنا بأن النفوذ العماني وصل إلى منطقة البحيرات العظمى في وسط أفريقيا، وأن العمانيين أصبحوا على دراية تامّة بالطرق والمسالك في تلك المناطق، ويتمتعون بمعرفة واحترام القبائل القاطنة هناك، وذلك من خلال النشاط التجاري الذي كانوا يقومون به، وما تحلوا به من أخلاق وصفات إسلامية.
أما الجلسة الثالثة والأخيرة لليوم الثاني أثرت المؤتمر بثلاث أوراق عمل، والتي تراسها الأستاذ دكتور حميد أحمد حمدان التميمي ، حيث بدأ بورقة الدكتور جمعة بن خليفة البوسعيدي مديرعام المديرية العامة للبحث وتداول الوثائق هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بعنوان التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية خلال حكم آل بوسعيد في الشرق الأفريقي، حيث سلطت الدراسة الضوء على المؤثرات الحضارية التي تركها العمانيون في حياة شعوب الشرق الأفريقي. وارتبط العمانيون منذ القدم ارتباطا وثيقا بشرق أفريقيا تمثل في علاقات وتبادلات تجارية تعود لما قبل الإسلام بقرون، وإن التجار العمانيون والعرب كانوا يبحرون باستمرار إلى سواحل شرق أفريقيا. وتقدم هذه الدراسة دور العمانيين في نشر الإسلام والثقافة العربية في مناطق شرق أفريقيا من خلال التعرف على أبرز العوامل التي أسهمت في هذا الدور، ونتج عنها مركز إشعاع حضاري بجهود وسواعد العمانيين، الأمر الذي انعكس في المعطيات الثقافية في اللغة والدين والتشكيلة السكانية، وبمرور الزمن تحولت تلك العلاقات التجارية إلى علاقات حضارية عميقة فتزوج العمانيون من نساء أفريقيات، ونتج عن ذلك لغة من نوع آخر بين اللغتين العربية والأفريقية نشأت في زنجبار اللغة السواحيلية والتي يتكلم بها أهل المشرق والشرق الأفريقي. ولقد أيقن تجار عمان عند بداية دخولهم إلى أوغندا ضرورة نشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة. ومن هذا المنطلق وتلك الثوابت التي أصبحت بمثابة عقيدة راسخة في ذهن الكثير من تجار عمان. وقد ظهر ذلك بوضوح منذ لقاء التاجر العماني الداعية الشيخ أحمد بن إبراهيم العامري بالملك الأوغندي موتيسا التي امتدت من عام 1856-1884م ومن العمانيين الذين لعبوا دورا بارزا في أوغندا الشيخ سليمان بن زاهر الجابري، وهو من سكن في أوغندا، وهو من المقربين للسلطان برغش بن سعيد (1870-1888)، كما حدث مع عدد من التجار العمانيين الذين تصدوا لحركة الكنيسة في تنصير الساكنين الأفارقة. والتي تمثل دورة النشاط الذي قام به تجار عمان في الشرق الأفريقي في المجال الدعوي. وقد ساهمت الدولة في هذا الجانب الحضاري مثل: الإفتاء والقضاء والنواحي الرسمية بما يمليه واجب الدولة ومسؤولياتها اتجاه هذه المناطق الأفريقية. ونرى أن شجاعة الرجل العماني وعدم تهيبه جعلته مهتما بالوصول إلى المناطق النائية في أفريقيا حتى وصل إلى زنجبار ومدغشقر وجنوب الصومال وكلوة وممباسا وبمبا، وتوغل في الأحراش والغابات إلى جنوب البحيرات الاستوائية حيث بحيرة نياسا ومنابع نهر ” الزمبيزي” وموزمبيق وبحيرة تنجنيقا وفكتوريا وغرب كينيا وجنوب أوغندا بوروندي وروندا. و الورقة الثانية الكشوفات الجغرافية العمانية الشرق أفريقية وتأثيراتها الحضارية للدكتور سعود بن سليمان بن مطر النبهاني مساعد عميد كلية العلوم التطبيقية بنزوى حيث تناول في البحث دراسة التاريخ السياسي للكشوفات الجغرافية العمانية الشرق أفريقية، مع التأكيد على تلازمية العلاقات الجغرافية والتاريخية بين عمان وشرق إفريقيا. كما يتناول البحث دوافع الكشوفات الجغرافية العمانية الشرق أفريقية: السياسية والاقتصادية والدينية والحضارية، وكيف أثرت الخبرة الملاحية للعمانيين في تفعيل أدوارهم الريادية في مجال الكشوفات الجغرافية. ويتناول البحث أيضا مسارات الكشوفات الجغرافية العمانية الشرق أفريقية والتي أخذت مسارين تكامليين، الأول:الكشوفات الجغرافية البحرية والتي قامت على استكشاف السواحل والجزر. والمسار الثاني يتناول الكشوفات الجغرافية القارية وقد قام بها العماني متغلغلا في عمق القارة الأفريقية ومستكشفا لخصائص وخصوصية الأرض الأفريقية. كما يتناول البحث أيضا التأثيرات الحضارية للكشوفات الجغرافية العمانية الشرق أفريقية والتي من أهمها التأثيرات في المجال التجاري والمجال الديني والدعوي ومجال نظام الحكم والإدارة ومجال اللغة والثقافة ومجال العمران ومجال الحرف والأعمال والهجرات. وجاءت الورقة الأخيرة بعنوان تجارة العاج في شرق أفريقيا بين التجار العمانيين والاحتكار البريطاني: دراسة وثائقيةللدكتورصالح محروس محمد باحث بجامعة بنى سويفجمهورية مصر العربية، حيث ذكر في دراسته توافر عوامل عديدة أدت إلى نمو التجارة العربية في القرن التاسع عشر، حيث ساد الاستقرار السياسي للعرب وخاصة منذ بدء تولى السلطان سعيد أمور سلطنتي مسقط وزنجبار اعتباراً من عام 1806م، ولم يكن السلطان سعيد إلا تاجراً كما وصف نفسه، وكان للتجار المسلمين دوراً في ازدهار التجارة وفتح أسواق في غرب تنجانيقا ووصلت بضائع متنوعة إلى المناطق الداخلية حيث مستودع العبيد والعاج والحبوب والأقمشة. وكذلك زيادة التجار الأفارقة على الساحل ووجود الأوربيين مما نشط حركة التجارة. ولقد حدد عرب عُمان أهم الطرق التجارية من ساحل شرق أفريقيا إلى البحيرات العظمى والتى كانت تسير فيها القوافل العربية التجارية، ومن هذه الطرق ذلك الطريق الذي يبدأ عند بجمايو (Bagumoyo) في مواجهة زنجبار ويتجه جنوباً ثم ينحني في إتجاه الشمال الشرقي لتجنب المرتفعات وتقع عليه أكبر المستعمرات العربية (تابورة) على بعد 600 ميل من الساحل، وينتهي هذا الطريق عند بحيرة تنجانيقا. ونظراً لأهمية العاج في الصناعة وشهرة عاج شرق أفريقيا لجودته اتبعت بريطانيا سياسة احتكار تجارة العاج حيث اتخذت سياسة إعادة التصدير (Re-export) من زنجبار للعاج وقرن الكركدن وأسنان فرس النهر ومنع تهريبهم والسيطرة على هذه التجارة التي كانت تُجمع من شرق أفريقيا، حيث كانت تُجمع من كينيا ومستعمرة أوغندة وتنجانيقا والكونغو البلجيكي وشرق أفريقيا البريطانية.
كما يواصل المؤتمر أعماله حتى 12 ديسمبر الحالي ، ومن جانب آخر يواصل المعرض الوثائقي استقبال الزوار، خاصة من الباحثين والدارسين والمهتمين والتي تعرض فيه وثائق تبين الحضارة العمانية عبر التاريخ والحضارة الانسانية التي بنتها، والعلاقات الدولية مع دول العالم.