هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية تصدركتاب
“سليمان باشا الباروني وجهوده الإصلاحية في عُمان”
أصدرت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية كتاب “سليمان باشا الباروني وجهوده الإصلاحية في عُمان”خلال الفترة: (1343-1359هـ/ 1924-1940م)، حيث تُعدّ زيارة سليمان باشا الباروني في الفترة 1924-1940م إلى عُمان؛ امتدادًا للتواصل الحضاري بين عُمان وبلاد المغرب العربي. ويهدف الإصدار إلى تسليط الضوء على الفترة التاريخية التي قضاها الباروني متنقلاً بين عُمان والعراق؛ إضافة إلى إبراز جهوده الإصلاحية السياسية والتربوية والتنموية التي قام بها في بناء الدولة العُمانية الحديثة في ظل المتغيرات التي كانت تمر بها المنطقة العربية، وذلك ضمن جهود الهيئة في تشجيع البحث العلمي. الكتاب يقع في ٣٥٠ صفحة متضمناً خمسة فصول، الفصل التمهيدي وفيه يتطرق حول التواصل العُماني مع بلاد المغرب الإسلامي، والثاني الشيخ سليمان الباروني دراسة في العصر والشخصية، والثالث صلة الشيخ الباروني لعُمان: الظروف والأسباب، والرابع الدعوات الإصلاحية للشيخ الباروني في عُمان، والفصل الخامس تقييم جهوده الإصلاحية في عُمان. وتسعى هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية من خلال تجربة جديدة بتبني الدراسات المعمقة لموضوعات تشكل جانباً مهماً في التاريخ العُماني من خلال دور الباحثين في إعداد الدراسات والبحوث المتخصصة ومراجعتها ودعمها بالمصادر ونشرها. الجدير بالذكر إلى جانب الهيئة ستتولى دار لبان للنشر توزيع إصدارات الهيئة داخل السلطنة وخارجها من خلال منافذ البيع أو المعارض المحلية والدولية التي تشارك فيها الدار في مكتبتها بمنطقة غلا الصناعية.
ويسعى الكاتب الدكتور سعيد بن عبد الله الصقري مؤلف الكتاب إلى الإجابة عن مشكلة البحث للتوصل إلى أي حد أسهمت الجهود الإصلاحية للباروني في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي كانت تمر بها الدولة العُمانية؟، وقد اعتمد الكاتب على المنهج الاستقرائي في تتبع النصوص والحوادث التاريخية ذات العلاقة بفترة الدراسة، والمنهج التاريخي التحليلي لتحليل الوقائع التاريخية. ومن أهم النتائج التي توصل إليها الكاتب من خلال دراسته، أن الباروني شارك أعلام الفكر والإصلاح في توعية الشعوب العربية من خطر الهجمة الاستعمارية على الوطن العربي، ووضع الحلول الكفيلة للتخلص من المشكلات بين الأشقاء العرب، وكذلك أسس أول مدرسة نظامية في دولة الإمامة عام 1928م، وأسهمت جهوده في توجيه بعثات طلابية للدراسة في بغداد من عُمان وزنجبار، وعمل على تنظيم المؤسسات الإدارية والمالية، وحثه إلى ضرورة الاستفادة من الموارد والثروات من أجل القيام بنهضة تنموية شاملة في عُمان.
الضوياني: نهضة علمية وفكرية
وفي مقدمة الكتاب يقول سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، نقف اليوم مع تجربة أخرى بقيام الهيئة بتبني الدراسات المعمقة لموضوعات تشكل جانباً مهماً في التاريخ العُماني من خلال دور الباحثين في إعداد الدراسات والبحوث المتخصصة ومراجعتها ودعمها بالمصادر ونشرها وبناء عليه فإن تناولنا لشخصيات عربية ربطتنا ببلدانها علاقات متميزة، وصلات علمية متواصلة منذ قرون عديدة فإن اسهامات تلك الشخصيات في التاريخ العُماني أو عند ذكر مراحل الحقب التاريخية يكون لزاماً علينا الإشارة إلى دورها وصلتها بوطنها وتواصلها مع عُمان وقادتها وعلمائها ومواطنيها.
الشيخ سليمان باشا الباروني: الشخصية الإصلاحية واسهاماته في عُمان، شكَّل رمز من رموز التواصل مع الإمام والسلطان في الوطن الواحد. لقد كان بحثاً عميقاً في الكشف عن شخصية هذا المصلح الذي أحب عُمان وأحبته عُمان، وأراد إحداث نهضة علمية وفكرية تنهض بعُمان كدولة قوية تتمكن من خلالها من تجاوز المحن، والتغلب على الهيمنة المسيطرة على العالم العربي المقسم بين الحماية والاستعمار وتتضاربه وتتقاسم خيراته والسيطرة عليه من القوى العسكرية، وحيث تحاك الفتن والمؤامرات فضلاً عن الصراعات الداخلية في الوطن الواحد هنا كان دور المصلح البارز الشيخ سليمان الباروني الذي بذل جهوداً كبيرة في عُمان وظل متنقلاً في ربوع عمان ولقائه بعلمائها ولقائه بالإمام الخليلي، ثم مضى سيره إلى السلطان تيمور بن فيصل وترافق سيرته الطيبة مع السلطان سعيد بن تيمور فهو الشخصية التي تتمتع بسعة العلم والفكر والاطلاع الواسع على مجريات الأحداث التي يتعرض لها العالم العربي من المغرب غرباً إلى عُمان شرقاً. فهو يستنهض الأمة العُمانية للخروج من محنتها رغم ظروفها وأوضاعها الاقتصادية وانقساماتها وصراعاتها الداخلية فكان منبر علم وفكر وحضور بارز، وسمعته الدولية ومشاركته في المؤتمرات واللقاءات الفكرية وكتاباته في الصحافة في الجزائر وبلده ليبيا وغيرها، كما أن تواصله مع العلماء والمفكرين مكنه من الاطلاع الواسع ليكون شخصية إصلاحية تحمل رؤية واضحة وفكراً وقاداً.
الجهورية: الإسهام الحضاري العُماني
من جانبها قالت الدكتورة أحلام بنت حمود الجهورية، المديرة المساعدة لدائرة البحوث والدراسات بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية: تتواصل جهود الهيئة في رفد المكتبة العُمانية على وجه الخصوص والمكتبة العربية عموماً بالإصدارات المتنوعة التي تطرق مواضيع بحثية ثرية تُلقي الضوء على الإسهام الحضاري العُماني في مختلف الحقب الزمنية وعلى امتداد الإطار الجغرافي الذي وصل إليه النفوذ السياسي لعُمان باعتبارها ملتقىً حضارياً للكثير من الشعوب والأمم والحضارات. ويعد سليمان باشا الباروني من الشخصيات العالمية التي وضعت بصمتها في مسيرة الحضارة الإنسانية لجهوده العلمية والإصلاحية المختلفة. وكان لعُمان أرضاً وشعباً ودولةً موطئ قدم لهذا التأثير، وإضافة الجهورية من هذا المنطلق جاء تبني هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية لطباعة ونشر الإنتاج البحثي للباحثين العُمانيين، وقد استطاع الباحث الدكتور سعيد بن عبد الله الصقري عبر هذه الدراسة العلمية الرصينة الإبحار في شخصية سليمان باشا الباروني موضحاً جهوده الإصلاحية في عُمان خلال الفترة (1343-1359هـ/ 1924-1940م)، ومما زاد هذه الدراسة غنىً وثراءً علمياً تضمين الباحث في دراسته الكثير من الوثائق التي استقاها من أرشيفات الوثائق والمحفوظات المختلفة.
موضوعات وقضايا الكتاب
أسهم التواصل الحضاري بين عُمان وبلاد المغرب في إثراء الحضارة الإسلامية، وتعايش الفكر الإباضي في بلاد المشرق والمغرب مع المدارس الفكرية والعلمية الإسلامية طيلة الحقب التاريخية؛ فأسهم في تأليف مدونات وموسوعات في مختلف فروع المعرفة، وفي العصر الحديث -مع ظهور حركة الصحافة- كانت المشاركة بارزة من قِبل رواد العمل الصحافي الذين أسهموا في جهاد الكلمة؛ من أجل بث الوعي في أجيال الأمة بالتزامن مع ظهور قادة الإصلاح الذين وقفوا ضد الهجمة الاستعمارية على أقطار الوطن العربي. واكتسبت زيارة المجاهد والسياسي سليمان باشا الباروني إلى عُمان في الفترة 1924-1940م أهمية كبيرة؛ فمن جهة تعدّ زيارته امتدادًا للتواصل الحضاري بين عُمان والعالم الإسلامي الذي أسهم بشكل كبير في إيجاد جسور وقنوات اتصال بين عُمان وشرق أفريقيا من جهة وحواضر بلاد المغرب من جهة ثانية. ومن جهة أخرى، كانت عُمان تعيش تحديات سياسية واقتصادية وتنموية؛ نظراً للظروف التي كانت تعيشها المنطقة العربية جراء النفوذ الأجنبي الذي سعى إلى تجزئتها والسيطرة على منافذها وخطوطها التجارية، فكان الشعب العُماني -وعلى رأسه حكومته- يثق كل الثقة في الزعيم الباروني من حيث كفاءته والصفات القيادية التي يمتاز بها، وتضحياته في سبيل تحرير بلاده من المستعمر الإيطالي؛ ممّا جعله يقود حركة إصلاحية في عُمان في ظل ظروف سياسية صعبة، وأوضاع اقتصادية متدهورة، جراء الأزمة العالمية التي خلفتها الحرب العالمية الأولى، وتأثير تلك الأوضاع على الجوانب التنموية والتعليمية في عُمان.
وفي الإصدار يتناول الجهود الإصلاحية التي بذلها الشيخ سليمان الباروني في عُمان لمدة ستة عشر عاماً قضاها متنقلاً بين عُمان والعراق؛ وهو يحظى بكل التقدير من السلطة الحاكمة في كلا البلدين، وكذلك نقاش مدى وضوح الأفكار الإصلاحية التي أطلقها الباروني في ظل ظروف بيئية واجتماعية مختلفة لم يتعايش معها قبل ذلك، ومدى رغبة السلطة الحاكمة في عُمان في الاستفادة من الأفكار والإصلاحات التي نادى بها في ظل متغيرات سياسية واقتصادية شهدتها عُمان في فترة زيارته. وتأتي أهمية هذه الدراسة من حيث أن شخصية سليمان الباروني كان مناضًلا ومصلحًا سياسيًا؛ حيث كان له قِدم السبق في الكفاح العسكري والتضحيات التي قدمها من أجل طرد المستعمر الإيطالي، وتحرير البلاد من قبضته، وكذلك أسهمت حياته العلمية والعملية في تأليف مجموعة من الكتب في المجالات الأدبية والتاريخية. ومن جهة أخرى، تتناول هذه الدراسة الوقوف على مجريات الأوضاع السياسية التي أثرت على الدولة العُمانية؛ فعلى المستوى الداخلي تم تجزئة الدولة إلى قسمين؛ فكانت المنطقة الساحلية خاضعة لسيطرة السلطان وعاصمتها مسقط، والمناطق الداخلية من عُمان تحت سيطرة دولة الإمامة وعاصمتها مدينة نَزْوَى التاريخية، وبالمقابل كان السلطان -أيضاً- مرتبطًا بمعاهدات وعلاقات تجارية وعسكرية خصوصاً مع الحكومة البريطانية.