الضوياني: إيلاء الاهتمام بالدراسة والبحث لغرض تعزيز الذاكرة الوطنية..
“الوثائق والمحفوظات الوطنية تكرم الدفعة الثانية من رواة التاريخ الشفوي”
احتفلت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية 29/مارس/2017 بتكريم الدفعة الثانية من رواة التاريخ الشفوي، تحت رعاية معالي الشيخ سعود بن سليمان بن حمير النبهاني مستشار الدولة، وبحضور سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية وعدد من المعنيين والمكرمين بفندق جراند هرمز بمرتفعات المطار، ويأتي هذا التكريم إدراكا من الهيئة بالاهتمام بما خلفه الاَباء والأجداد من حضارة وإرث تاريخي عظيم والذي ترتكز عليه النهضة، وأن الأمة التي تبغي مجداً عليها أن تبث في الأفراد الروح والعزيمة، وأن تبعث فيهم الشعور بالعزة، وذلك بالاهتمام بماضيها وربطه بحاضرها المشرق، وتعريف الناشئة بجهود أسلافهم ومآثرهم المختلفة. ومالهم من أثر في رقي وازدهار البلاد. كما يهدف التكريم للوقوف على أهمية التاريخ المروي والاحتفاء برواة التاريخ الشفوي الذين سجلوا روايتهم الشفوية عبر المقابلات الشخصية التي أجراها فريق عمل المشروع بهيئة الوثائق لعدد من أصحاب الفكر والتجربة والمحفوظات الوطنية.
الضوياني: ذاكرة الإنسان العماني
وألقى سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية كلمة قال فيها: إنه لمن دواعي سرورنا وعظيم تقديرنا لهذه الوجوه الطيبة وهؤلاء الأخيار الكرام نتشرف اليوم في هذا اللقاء لنتوجه بالشكر والتقدير على ما قدمتموه من جوانب مهمة في تاريخ عمان التليد فكان البعض صناعاً للأحداث وشهوداً عليها أو فاعلين في وقائعها ومتابعين لمراحلها أو صلتهم المباشرة أو غير المباشرة بالأمور التي أسهمت في تغير مجرى الأحداث فحرى بنا أن تكون لذاكرتهم مكاناً في محفوظات الوطن وسجلاته وأن تحظى سيرهم أو أفعالهم النبيلة وخصالهم الحميدة ومشاركاتهم ومساهماتهم الوطنية الجليلة في إيلاء الاهتمام بالدراسة والبحث لغرض تعزيز الذاكرة الوطنية بمصادر متعددة من الوثائق والمخطوطات والصور و الخرائط ومختلف الوسائط التي أكدت لنا عظمة عمان والعمانيين وأساهمهم في الحضارة الإنسانية وإيماناً من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية لما للذاكرة الشفوية من قيمة وثائقية تسجل ذاكرة الإنسان العماني الذي يمتلك معارف فكرية وعلمية وتجارب عملية ومسؤوليات اجتماعية ووظيفية خدموا الوطن في مواقع متعددة وتركوا أثراً طيباً وأعمالاً مشهودة وأفعالاً محمودة وسيراً مذكورة أتسعت تلك المعارف بسعة الأفق وبصدق الكلمة وأمانة تسجيلها وتدوينها لتكون حاضرة وشاهدة وباقية لجيل الحاضر والمستقبل ليستفيدوا من المادة التاريخية الشفوية في إجراء الدراسات والبحوث العلمية الأمر الذي جعل الهيئة تمضى قدماً من أجل الوصول إلى توثيق ذاكرة العديد من الشخصيات العمانية وغير العمانية ممن أسهموا بخدمات جليلة في خدمة سلطنة عمان في مختلف مجالات الحياة . كما توجه سعادة الدكتور رئيس الهيئة بهذه المناسبة الكريمة بخالص الشكر وعظيم التقدير للجميع على حُسن تجاوبهم في إبراز ما لديكم من المعارف وما وجدناه من حسن الاستقبال لفريق العمل الفني لهو محل تقدير لكم جميعاً وها أنتم اليوم تقدمون دليلاً آخر للوفاء لهذا الوطن العزيز بحضوركم وتحملكم عناء السفر. كما ندعو الله جلت قدرته أن يتغمد بواسع رحمته أولئك الكرام الذي رحلوا إلى دار القرار وأن يلهم الله أهلهم الصبر على فراقهم وأن يرزقكم المولى القدير الصحة والعافية والعمر المديد إنه سميع مجيب الدعاء.
وفي الختام تقدم رئيس الهيئة بالشكر والتقدير والإجلال إلى معالي الشيخ الجليل سعود بن سليمان بن حمير النبهاني الموقر مستشار الدولة فقد تشرفنا بقبوله رعاية هذا الحفل كما تقدم بالتقدير إلى وسائل الإعلام المختلفة على جهودها المتواصلة في تغطية الجوانب الحضارية والتاريخية والثقافية التي تقوم بها الهيئة لكشف عن ماضي وحاضر عمان التليد. والشكر موصول إلى كافة الأخوة والأخوات العاملين في مجال التاريخ الشفوي وكافة موظفي الهيئة.
كلمة الرواة
وقدم الشيخ أحمد بن سويدان البلوشي كلمة نيابة عن الرواة، قال فيها ارحب بكم جميعا في هذه المناسبة الجميلة التي تترجم الشكر والامتنان بين فريقين ، فريق هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية جاء علي شكل تكريم المساهمين في ترجمة ذكرياتهم الشفهية ، او كنوز من مخطوطات ووثائق احتفظوا بها ، اما الفريق الاخر فيمثل شكرنا جميعا لهذه الجهة الحكومية التي نبشت في ذاكرة تجري في دمائنا لتحتفظ بصورة مكان أو حدث أو شخصية لها إسهاماتها في رسم تاريخ حضاري، أو شكلت معالم ثقافة زمان محدد ، فباقات الشكر متبادلة بين الطرفين ليصبح هذا الوطن الغالي هو الرابح الأول والأخير بهذا التكامل البناء بين المواطن والحكومة.
وأضاف البلوشي أن التاريخ إذا لم تخطه أخبار الحفظ والتوثيق يضمحل ويؤول إلي الضياع والنسيان، فلولا رسومات الإنسان الأول على جدران الكهوف والصخور ثم الجدران، لما وصلت إلينا تفاصيل الحياة التي مرو بها عبر العصور، وكم هي سعادتنا جميعا بالغة عندما وصلتنا الدعوات لنخط بألسنتنا تلك التفاصيل المخزونة في الذاكرة التي رجونا الله ان تبقى ونوصلها للأجيال عمان والعالم أجمع، فحملت هيئة الوثائق والمحفوظات هذه الأمانة من على رقابنا وترجمتها توثيقا مخلدا عبر الزمان.
وختتم البلوشي كلمته بالشكر الجزيل لراعي المناسبة الموقر على مشاركته هذه الفعالية، كما أجزل الثناء والامتنان لهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية رئيساً ومنتسبين على دماثة الخلق، وحسن التعامل، والأناة الجميلة التي اظهروها إبان التسجيل.
برنامج الحفل
استهل الحفل بكلمة سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس الهيئة، وشمل البرنامج كلمة الرواة قدمها الشيخ أحمد بن سويدان البلوشي نيابة عن الرواة، إضافة الى قصيدة شعرية قدمها الشيخ أحمد بن محسن الغريبي، الى جانب فيلم الرواة والذي عرض بثلاثة أجزاء قصيرة ، كما تم عرض فيلم التاريخ الشفوي تحدث عن التاريخ الشفوي والكادر الفني الذي تزخر به الهيئة في هذا المجال حيث تحدث عن العمل الدؤوب الذي يقوم به الفريق وطريقة العمل في هذا الجانب والإنجازات التي حققها إضافة الى بعض المقابلات التي اجراها لبعض المسؤولين في الهيئة ودور الهيئة في اقتناء وتوفير أفضل الأجهزة المختصة في سبيل إنجاح العمل واخراجه بالطريقة المثالية، وعرض الفيلم الآخر مجموعة من المقاطع للمكرمين اثناء تسجيلهم لبعض الحلقات في الفترة الماضية في لحظة زمنية تعود بالرواة الى الماضي الجميل. وختتم الحفل بتكريم رواة التاريخ الشفوي والجهات الإعلامية، وفريق العمل في المشروع، وراعي الحفل.
الخروصي: السلطنة غنية بتاريخها الشفوي
وحول حفل التكريم قال الدكتور عبدالعزيز بن هلال بن زاهر الخروصي مدير دائرة البحوث والدراسات والمشرف على التاريخ الشفوي بالهيئة، تُعد سلطنة عمان من الدول الغنية بتراثها التاريخي الشفوي، وكل ذلك إلى عظمة تاريخها الحضاري في كافة الميادين، وتُعتبر من الأقطار التي لا تزال تزخر بتاريخٍ شفويٍ متنوع وشامل وحافل في مختلف المجالات، وتمتاز بعمقها الفكري والحضاري. ويشمل هذا التنوع جميع الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والإدارية والفنية والرياضية وغيرها، وفي كل محور من الجوانب التي أشرنا إليها تحتوي بداخلها على تقسيمات وتفريعات متعددة، وما على الباحثين إلَّا أنْ يشمروا عن سواعد الجد والدخول في معترك العمل البحثي في التاريخ الشفوي، وهو ميدان خصب بحاجة إلى دراسته بكل موضوعية. كما قال الخروصي بأن التاريخ الشفوي يحفظ التنوع الثقافي حيث لا يمكن أنْ نتصور أنَّ التاريخ الشفوي يتم تسجيله بلون واحد، أو لجماعة دون غيرها، أو أن تستأثر به منطقة بعينها، أو لفئة واحدة على حساب فئات أخرى، وإنْ كانت هناك مقولة أنَّ التاريخ الشفوي سينتهي قريبا، غير أننا لا نتفق مع هذ الرأي، فالتاريخ الشفوي يتوسع ويتطور، فكل جيل يضيف من معارفه وخبراته وعلومه إلى الجيل الذي سيأتي بعده الشيء الكثير، ومن الثابت أنَّ تسجيل وحفظ التاريخ الشفوي هو حفظ للتنوع الثقافي العماني بكل مفرداته وخصائصه ومميزاته.
الغسانية: حفظ إرث وحضارة هذا الوطن
وقالت الراوية نور الغسانية تشرفت اليوم بأن أكون ضمن الرواة المكرمين، وبهذه المناسبة الغالية على قلوب الجميع أفتخر بإن أساهم ولو بالقليل في سبيل حفظ إرث وحضارة هذا الوطن الغالي، وقدمت الغسانية شكرها الجزيل لهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في سبيل حفظ الذاكرة الوطنية والعمل الدؤوب في تسجيل العديد من المقابلات في شتى بقاع السلطنة.
واقع التاريخ الشفوي في عمان
إنَّ المتأمل في واقع التاريخ الشفوي العُماني في هذا الوقت سيجد أنه يحظى بالعناية والاهتمام من قبل الحكومة الرشيدة، ومن قبل الأفراد أيضاً، وتأتي هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في طليعة الجهات الحكومية الفاعلة في هذا الميدان، إضافة إلى أنَّ هناك جهات أخرى لديها مشاريعها في هذا الجانب، ونرى بأنّ الجهود تكاملية، وأننا نلمس الأعمال الفردية والأنشطة الأهلية الجماعية، وهو ما يؤشر إلى مدى وعي الجميع بأهمية المحافظة على الرواية أو الوثيقة الشفوية عبر توثيقها وتسجيلها وحفظها. أمَّا عن النشاط الكبير الذي تضطلع به الهيئة فإنه بلا شك ظاهر للعيان، والمتتبع للشأن التاريخي الوثائقي سيرى ذلك، كل ذلك أيماناً من المسؤولين في هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بأهمية إضافة رصيد وثائقي آخر، إلى جانب الرصيد الوثائقي المدون والمكتوب وهو ما نعني به حفظ التاريخ الشفوي العُماني.
واقع التاريخ الشفوي قبل 2012م
قبل عام 212م لم يكن للتاريخ الشفوي ذلك الاهتمام الكبير الذي نراه اليوم، نعم كانت هناك أعمال وجهود تقوم بها مؤسسات وجهات حكومية وعلمية، غير أنَّ العام 2012م شهد انطلاقةً أكثر تقدماً من حيث أساليب جمع الرواية الشفوية وطرق توثيقها، وآلية تسجيلها، وتقنيات حفظها. فأُدخِلتْ إلى هذا الميدان أجهزة التسجيل والتصوير والحفظ المتقدمة، سواء من الجهات الحكومية وحتى من قِبَل الأفراد والأهالي. ويُعزى ذلك إلى عاملين أساسيين هما ازدياد الوعي لدى الجميع بأهمية تسجيل وحفظ الرواية الشفوية، وإلى توفر الأجهزة والمعدات التي يستعين بها الباحثين. وفي الآونة الأخيرة بدأت في الظهور دراسات بحثية اعتضدت في مصادرها ومراجعها على التاريخ الشفوي.
هيئة الوثائق على خط التاريخ الشفوي
قبل البدء في العمل الفعلي لحفظ التاريخ الشفوي قام المختصين في الهيئة بإجراء مسوحات ودراسات معمقة عن واقع الحال الذي يعيشه رواة التاريخ الشفوي، وعن النواقص التي يمكن أن تسدها الوثيقة الشفوية، وعن الفراغات التي هي بحاجة أنْ تُملأ. فكانت الرؤية تتضح أكثر بأنَّ الرواية يجب أنْ يكون لها حضورها. ومن أجل ذلك فقد باشرت الهيئة في تهيئة الظروف، وإيجاد البيئة المناسبة للشروع في العمل الميداني، فتم تأهيل وتدريب عدد من الكوادر تأهيلاً علمياً، بحيث اشتمل البرنامج التدريبي على دروس ومحاضرات وورش عمل، امتزجت بين النظرية والتطبيق الميداني على أرض الواقع داخل السلطنة وخارجها.
ولم تقف الهيئة عند هذا الأمر فحسب، إنما نزل على أرض الميدان المسؤولون المباشرون عن هذا العمل، والذين يتولون مهمة الإشراف العلمي والإداري، حتى يكتسب الجميع المهارات والقدرات والخبرات، وهي رؤية صائبة، أنْ نجد المسؤول ينزل بنفسه على أرض الواقع، ويعمل إلى جانب بقية الموظفين. الأمر الذي ساعد كثيراً في أنْ يعمل الفريق بروح الأسرة الواحدة.
ومن هذا المنطلق، فأنه عندما يذهب فريق العمل لإجراء مقابلات ميدانية خارج استوديو الهيئة فإنَّ المسؤول على علم وبيِّنة لما قد يواجه العاملين من صعوبات وظروف، وبالتالي يكون قد استبق زملائه في إيجاد بعض الخطط والحلول وتنفيذها، لأنه قد جّرب بنفسه هذا العمل، وعرف الظروف المحيطة بأعمال الباحثين، فالقرار يتُخذ عن قناعة ودراسة وتجربة، وليس من واقع التنظير أو الجلوس في المكتب بعيداً عن واقع العمل الميداني، ففي مثل جوانب العمل الميداني في توثيق وحفظ التاريخ الشفوي ينبغي أن تكون القرارات والرؤى مبنية من الواقع الفعلي على الأرض، ومن واقع اللقاء المباشر والتواصل والحوار مع الشخصيات المستهدفة من هذا العمل.
بين المكتب والميدان والبحث علاقة ورؤى
لا يختلف اثنان على أنَّ الباحثين في تسجيل وتوثيق وحفظ التاريخ الشفوي تميزوا عن نظرائهم الآخرين في التخصصات والدراسات التاريخية والعلمية الأخرى بمميزات عدة، منها على سبيل المثال: الجمع بين العمل المكتبي والميداني والبحث المستمر عن المعلومة من مصادر مختلفة، والاطلاع على مراجع متعددة، وأنهم أيضاً يُعمِلون الحس في البحث والتقصي، ليقوموا بإجراء المقاربات والمقارنات بين المعلومات التي حصلوا عليها في المصادر المكتوبة أو المطبوعة والمراجع الشفوية، إضافة إلى كون الباحث في التاريخ الشفوي يحصل على معلومات جديدة في كل مقابلة يجريها، ويطلع على معارف متنوعة.
المقابلات
تمكن فريق العمل من تسجيل مئات الساعات من المقابلات، باستخدام أحدث التقنيات في عالم الصوت والصورة، وقد احتوت هذه المقابلات على معلومات متنوعة في شتى المجالات ولم تقتصر على جانب بعينه، فقد اعتمد على التنوع والتوسع .التنوع في المجالات والفروع، والتوسع في التوزيع الجغرافي للرواة، إذ أنَّ جميع محافظات السلطنة قد حظى عدد من أفرادها بإجراء المقابلات معهم، وامتدت المقابلات إلى خارج السلطنة، والاحتفال الذي تقيمه الهيئة اليوم يشهد تكريم رواة التاريخ الشفوي من مختلف المحافظات، وهي لفتة طيبة من قبل الهيئة تجاه هؤلاء الرواة نظرا لتعاونهم ومبادرتهم في تسجيل المقابلات والإدلاء بالمعلومات التي لديهم، والتعبير عن معارفهم وخبراتهم، والوقوف على تجاربهم ومشاهداتهم. والذين تحلو بالمصداقية والموضوعية في اطروحاتهم وأقوالهم. ولهم منا جزيل الشكر ووافر التقدير.