شهد اليوم الأخير من فعاليات المعرض الوثائقي الثامن، المصاحب لندوة «مسندم في ذاكرة التاريخ العماني إقبالا كثيفا ومتنوعا من مختلف المستويات العمرية والثقافية. وعكس حضور الزائرين الوعي العالي للمواطنين من أبناء مسندم بأهمية هذا الجزء الغالي من الأرض العمانية في ذاكرة التاريخ العماني ومعرفتهم بدور الأجيال المتعاقبة من أبناء المحافظة على مر العصور فجاءت الأسئلة والمناقشات خلال اطلاعهم على الوثائق والمخطوطات عميقة في مفاصل الوقائع والأحداث. وعبروا عن آرائهم بوعي كبير ومعرفة بالحقائق ورغبة جامحة في الاطلاع عن كثب على الإرث التاريخي والحضاري لمسندم. وبدا الاهتمام واضحا من خلال حرص كثير من المواطنين على حفظ الإرث التاريخي للمحافظة ومبادراتهم لتسجيل ما يمتلكونه من وثائق تاريخية ومناشداتهم الجهات المختصة بتكثيف هذه الفعاليات العلمية والثقافية الإثرائية والعمل على استمرارها وبذل المزيد من الجهد لاستنطاق التاريخ وإجراء المزيد من البحوث والدراسات المعمقة لكشف الأحداث الغائبة وتسجيلها وتوثيقها وعرضها للجمهور لتستفيد منها أجيال الحاضر والمستقبل في الوعي والمعرفة والبحث العلمي.
وفي ختام الفعالية العلمية قال سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية: إن أثر ندوة «مسندم في ذاكرة التاريخ العماني» كبير وستشكل أوراقها العلمية رافدا للمكتبات حيث ستقوم الهيئة بتقديمها في إصدارات موثقة وستكون في متناول المواطنين. وأكد سعادته أن الندوة كشفت الوعي الكبير لدى المواطنين بأهمية تاريخ عمان وأهمية التعريف بمحافظة مسندم واتضح جليا من خلال المناقشات والحوارات والأسئلة التي طرحت من قبل المواطنين على الباحثين المشاركين في الندوة حول أوراق العمل فجاءت ثرية من الشخصيات الفكرية والعلمية والاجتماعية. كما نوه رئيس هيئة التوثيق والمحفوظات بتفاعل الزوار مع المعرض الوثائقي ومقتنياته الذي طاف بهم من العصور الحجرية ما قبل الميلاد وحتى عصرنا الحاضر وتناوله لجزء من الوثائق التي تخص محافظة مسندم مشيرا إلى ملامسة أوراق العمل لكثير من هذه الجوانب والإرث التاريخي الذي يعود الى خمسة آلاف عام قبل الميلاد.
وقالت حنان بنت محمود احمد مديرة دائرة المعارض الوثائقية: استطعنا من خلال المعرض تقديم إرث عماني عبر مختلف الحقبات الزمنية والعصور أبهر الزائرين من مختلف الفئات العمرية ومن مختلف ولايات محافظة مسندم. وأوضحت أن ركن الوثائق الخاصة لاقى استحسان الجميع من خلال ما تم عرضه من وثائق ومخطوطات تخص أبناء وتاريخ محافظة مسندم وجاءت المبادرات من أبناء المحافظة بتسجيل وثائقهم لتؤكد تفاعلهم واهتمامهم في حفظ ذاكرة الوطن.
تفاعل علمي ومجتمعي
واستمرت أمس (الخميس ١٣ ديسمبر) مبادرات المواطنين لتسجيل الوثائق التي يمتلكونها في الوقت الذي تواصلت فيه ردود الأفعال الإيجابية والتفاعل العلمي والفكري والمجتمعي مع الندوة والمعرض الوثائق حيث قال الدكتور راشد بن محمد حروب الشحي مدير دائرة الكاتب بالعدل بولاية دبا: إن تخصيص هذه الندوة عن محافظة مسندم بولاياتها الأربع «خصب ودبا وبخاء ومدحاء» وإقامتها على أرضها تعد رسالة سامية من قبل حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- لكل ذي لب رشيد وقلب سليم وكل قاص ودان بعمانية محافظة مسندم ومدى مكانتها تاريخيا وجغرافيا لعمان منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا وإلى ما شاء الله تعالى باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الإمبراطورية العمانية المترامية الأطراف من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال. وأشار الدكتور راشد حروب الى أن الندوة سلطت الضوء على كثير من الجوانب التاريخية المشرقة لمحافظة مسندم وعروبة أهلها المنحدرين من سلالة مالك بن فهد الأزدي ودور مسندم وعلاقاتها السياسية بساحل عمان الشمالي ومنطقة الشميلية وعلاقتهم بحكامها ونظام حكم شمال عمان والولاة الذين تقلدوا حكمها من قبل أئمة وسلاطين عمان وكيفية صمود أهلها وحفاظهم على هويتهم العمانية مقابل المغريات وتمسكهم بأرضهم ودورهم في الملاحة البحرية الذي يعود إلى ما قبل الميلاد من خلال تناول الأبعاد الجغرافية لها وانعكاسها على مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية الإسلامية مشيرا كذلك إلى أن المعرض المصاحب للندوة حوى العديد من الوثائق التاريخية التي تؤكد مدى ارتباط شمال عمان بأسرها منذ القدم بالسلطة المركزية العمانية.
قيمة تاريخية
وقالت مكية بنت حسن الكمزارية عضوة اللجنة الوطنية للشباب: إن ندوة مسندم في التاريخ تمثل أهمية في التعريف بمكانة مسندم في التاريخ القديم باعتبار القيمة الجغرافية والتاريخية للمنطقة. وتضمنت أوراق علمية قدمت من قبل أكاديميين مختصين بالتاريخ مما يجعل الطرح أكثر موضوعية وعلمية. وتناولت الندوة جوانب عدة لتاريخ مسندم من حيث النقوش الأثرية التي تعود لعصور ضاربة في القدم الحجري والنشاط التجاري البحري في المنطقة كما تطرقت لدور الندوة في عصور إسلامية شكلت فيها مسندم علامة فاصلة ذات تأثير واضح في سير التاريخ.. وأضافت: من المدهش أن يعرف المتلقي أن بعض القبائل في مسندم ورد ذكرها في التوراة كما ذكرت إحدى الأوراق ومن المهم تكرار مثل هذه الندوات للتأكيد على أهمية هذه المناشط التاريخية التي تنشط الذاكرة العمانية وتعرف الأجيال الحديثة بتاريخ الأجداد وفتح الباب على مصراعيه للدراسات التي قد يتبناها أهل الاختصاص كتوصيات من هذه الندوة ويعمل عليها لتكوين قاعدة بيانات صحيحة علمية وبإشراف مباشر من هيئة الوثائق والمخطوطات العمانية التي أكدت بدورها على دور الهيئة في حفظ الوثائق العمانية.
أبعاد جغرافية
الدكتور عبدالله علي سعيد السعدي من ولاية مدحاء قال: إن ندوة ‹مسندم في ذاكرة التاريخ العماني وقفت على أهمية هذه المنطقة من الناحية التاريخية والجغرافية وما قامت به من دور فاعل على مر العصور والتاريخ فقد شكلت مسندم شريان التجارة البحرية منذ قديم الزمان وتحدثت الندوة كذلك عن الآثار والرسومات الأثرية التي شكلت تاريخ المنطقة كما سلطت الضوء على الأبعاد الجغرافية لمحافظة مسندم فقد تعرف الحضور من خلال هذه الندوة على هذا التاريخ العريق لمحافظة مسندم وكانت الحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد حاضرة في هذه الندوة.
رصيد معرفي
بدوره قال وليد بن أحمد بن علي الشحي من ولاية بخاء: إن ندوة مسندم في ذاكرة التاريخ العماني أضافت رصيدا معرفيا في ذاكرة المواطن العماني حول تاريخ المحافظة السياسية والاقتصادية والحضارية التي تمتد من آلاف السنين قبل الإسلام مرورا بالحركة الإسلامية وفي زمن صراع دولة اليعاربة مع البرتغاليين ودور قبيلة الشحوح في المنطقة كما تم خلال الندوة التعرف على الحركة التجارية العمانية التي امتدت من ظفار ومسقط ومسندم مشيرا إلى أن الندوة أثرت أهمية مضيق هرمز التاريخ والموقع الإستراتيجي لمحافظة مسندم والتي كانت تلعب دورا مهما في التحكم بالحركة التجارية في المنطقة وأبرزت أوراق العمل المقدمة أهمية المحافظة وتاريخها والذي يفخر به المواطن العماني وجيل المستقبل وحاضره.
إثراء للفكر
الدكتور يوسف بن عبدالله الشحي من نيابة ليما قال: هذه الندوة تمثل أهمية كبرى في نفوس أبناء مسندم خاصة أبناء عمان عامة حيث تجلت أهمية مكانة مسندم عبر التاريخ العماني كما برزت الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمسندم وأهمية موقعها الجغرافي المطل على مضيق هرمز ودورها الاقتصادي المتمثل في صناعة السفن وسوق دبا ومحطة خصب خلال الرحلات البحرية من إفريقيا إلى بلاد الرافدين.
وأكد أن هذه الندوة تشكل إثراء للفكر وإضافة علمية تاريخية لكل من حضر ها أو تابعها بالإضافة إلى المعرض الوثائقي التاريخي والمرتبط بالتاريخ العماني في العهد الإسلامي وعهد اليعاربة والبوسعيد.
موروث حضاري
بدورها سجلت المرأة حضورها ومتابعتها لفعاليات الندوة والمعرض الوثائقي وقالت نبيلة بنت عبدالله بن علي الشحية من ولاية خصب، الندوة تمثل أهمية بالغة كونها تسلط الضوء على الموروث الحضاري والتاريخي والسياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي لمحافظة مسندم وأهميتها بالنسبة للتاريخ العماني باعتبار الموروث الحضاري لأي دولة هو بيان لكيانها وأهميتها بين الدول ونأمل أن تكون هذه الندوة بداية لندوات وفعاليات أخرى في هذا الجانب مستقبلا.
شواهد وأحداث
ويقول الدكتور أحمد بن محمد بن حسن الشحي من ولاية خصب أثرت الجانب التاريخي المهم لمحافظة مسندم المليء بالشواهد والأحداث الهامة عبر العصور ابتداء من العصر الإسلامي الهجري ومرورا بالعصور اللاحقة ومنها الاحتلال البرتغالي ومن ثم دولة اليعاربة إلى بداية الدولة البوسعيدية وأضاف الدكتور أحمد الشحي أن مثل هذه الندوات تسهم وتساعد في الاطلاع على العمق التاريخي لمناطق ومدن السلطنة الغنية بالأحداث السياسية والتراثية والثقافية والتاريخية التي تميزها على سواحل الخليج العربي عبر العصور كما أضافت الكثير من الأبعاد الجغرافية والسياسية لمحافظة مسندم التي ساهمت في تبوؤ المنطقة لمكانة عالمية لحركة التجارة وانعكاس ذلك على العلاقة الدولية لعمان عبر العصور والحقب المختلفة كما أسهمت الندوة في تسليط الضوء على المجتمع العماني بوجه عام والمجتمع في مسندم على وجه الخصوص وذلك من خلال مفردات من الماضي حول الحياة في محافظة مسندم.