ضمن الفعاليات المصاحبة للمؤتمر الدولي السادس علاقات عمان بدول المحيط الهندي والخليج خلال الفترة من القرن السابع عشر وإلى القرن التاسع عشر، قدمت الأوركسترا السيمفونية السلطانية العُمانية مجموعة من المقطوعات الموسيقية التي نالت استحسان الحضور، والمهتمين بالموسيقى والفن. يذكر أن الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية تأسست في شهر سبتمبر عام1985م، بتوجيهات سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – الذي كان اهتمامه بالموسيقى والثقافة وراء قيام المشروع برمته. ومن هذا المنطلق فقد تم قبول الشباب والشابات ممن وُجِدَ لديهم ولديهن الرغبة في خوض تجربة عالم جديد من الموسيقى. حيث كانت هذه الفكرة فريدة ونادرة في البداية وخطوة شجاعة ملؤها الثقة والتشجيع. وشهدت مسيرة الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية محطات بارزة كثيرة من بينها: بلجيكا وبرلين بألمانيا، “اليونيسكو” بباريس وغيرها من دول العالم حيث لا يزال الكثير من أعضاء الأوركسترا الأساسيين الذين بدأوا مشوارهم الفني مع الموسيقى الكلاسيكية لأول مرة فيها حتى اليوم.
يعزى نجاح الأوركسترا إلى التوجيهات السديدة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – ورؤيته السامية الثاقبة وثقته الكريمة في تأسيس هذه الأوركسترا ورعايته الكريمة والدائمة لها. وإيمانًا من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- بدور الفنون في إرساء الثقافة والسلام والتعاون بين الأمم ويقينه بضرورة تطويع الموسيقى كأداة إنسانية مهمة في نشر قيم إنسانية مثل السلام والتسامح والتعايش بين الشعوب وهي المبادئ العظمى التي ننعم بها في السلطنة تحت ظل قيادة جلالة السلطان المعظم الحكيمة عمل جلالته أعزه الله منذ ثلاثين عامًا على تأسيس فرقة أوركسترا عالمية محترفة يتكون جميع أعضائها من العمانيين. وأدرك جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- الأثر الثقافي لتأسيس الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية وأكد على ضرورة الحاجة للموازنة بين الثقافات، بين الحداثة والتراث مع علم جلالته المسبق أن تأسيس الأوركسترا لا يعني إهمال أو إغفال تقاليدنا وتراثنا حيث يقول جلالته -أبقاه الله- نحن نحاول الحفاظ على تراثنا الموسيقي في عمان، لا يمكنني تفضيل لون على آخر أو الفصل بين الأعمال، تعجبني الموسيقى الأندلسية والتركية والإيرانية والكثير من الموسيقى الهندية والأفريقية، أتمنى أن تثمر كل هذه الجهود المبذولة لتطوير الموسيقى، وأن تنجح في تحقيق غايتي المتمثلة في رفع مستوى الوعي الثقافي لدى الأفراد بوجه عام، ومستوى التعليم الموسيقي بوجه خاص
إن فكرة إنشاء الأوركسترا جاءت في بداية الثمانينيات من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس وتولى جلالته بأفكاره النيرة مهمة وضع الأسس المناسبة لدراسة أفضل السبل لإنجازها حيث أسدى جلالته -أبقاه الله- توجيهاته السامية بتأسيس الأوركسترا في سبتمبر عام 1985م، تحت إشراف مباشر من جلالته حيث تم اختيار مجموعة من الموسيقيين الشباب الموهوبين بناء على مهاراتهم الموسيقية في مجالات الألحان والإيقاعات والأنغام، حصل المرشحون المنتقون جميعًا على دراسات مكثفة في الموسيقى سواء داخل السلطنة أو خارجها برعاية الحرس السلطاني العماني. واستقبلت الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية الدفعة الأولى من الطلاب الشباب في عام1985، وتولى فريق من الحرس السلطاني العماني بمساعدة مجموعة من مدرسي الموسيقى البريطانيين وبقيادة مسير أعمال مدير الأوركسترا زيارة العديد من المدن والقرى في السلطنة للبحث عن المرشحين المناسبين وأظهر من تم اختيارهم وعائلاتهم حب المغامرة وخوض هذا المضمار الجديد بالنسبة لهم وتم تسجيل 1300 شخص وقلص العدد إلى 250 شخصا وبعد ذلك تم اختيار 100 شاب منهم لمباشرة التدريب وخضعوا لتعليم اللغة الإنجليزية ونظريات الموسيقى خلال الأشهر الستة الأولى من التدريب.
وفي بداية تأسيس الأوركسترا تم اختيار طاقم المعلمين من المملكة المتحدة إذ اتخذت الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية قرارا باتباع المنهج البريطاني وربطت المعدلات الأكاديمية والتحصيلية باختبارات المجلس الموحد للمدارس الملكية للموسيقى في بورتلاند في لندن وهو مؤسسة مرتبطة بالكليات الموسيقية الرئيسية في المملكة المتحدة وهذه التنظيمات والارتباطات الأكاديمية في حد ذاتها تمنح الطلاب العمانيين حسًا عمليًا مميزًا بارتباط أدائهم بالاختبارات والمعادلات الدولية وبعد ذلك حصولهم على شهادات الدبلوم من أكبر وأفضل المؤسسات الموسيقية في العالم وظل هذا التنظيم حتى وقتنا الحالي وتمكن العديد من أعضاء الأوركسترا من اجتياز اختبارات المجلس الموحد بمستوياته الثمانية وبجميع الآلات الموسيقية وحققوا مستويات الدبلوم والليسانس والزمالة.
بعد مضي بضعة أشهر على تأسيس الأوركسترا قامت أوركسترا لندن السيمفونية بزيارة للسلطنة في شهر ديسمبر عام 1985 وأحيت 3 حفلات موسيقية احتفالا بافتتاح قاعة عمان في فندق قصر البستان التي كانت مجهزة بأحدث الأجهزة الضرورية لإقامة الحفلات الموسيقية وظلت المكان الأفضل للأوركسترا لإقامة حفلاتها.
ساعدت زيارة أوركسترا لندن السيمفونية للسلطنة الموسيقيين العمانيين أعضاء الأوركسترا في وضع المعايير اللازمة للعزف في قاعة عمان وشهد الأول من يوليو عام 1987 تقديم الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية حفلها الموسيقي الأول في قاعة عمان بفندق قصر البستان برعاية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه – السامية ومنذ ذلك الحين قدمت الأوركسترا أكثر من 140 حفلا موسيقيا خاصا وعامًا داخل السلطنة وخارجها وأصبحت سفير عمان الموسيقي إلى العالم فقدمت عروضها في أشهر القاعات المرموقة في دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة المتحدة وبلجيكا وألمانيا وفرنسا وسويسرا وكوريا الجنوبية.
وفي يوليو عام 1988 أحيت الأوركسترا حفلها الأول أمام الجمهور وكان ذلك بمثابة الانطلاقة الثانية لها وفي شهر سبتمبر من نفس العام تم توظيف المزيد من الشباب في الأوركسترا وشهد هذا العام استقبال أول دفعة من الفتيات بالأوركسترا وأصبح لدى الأوركسترا خليطا رائعا من الشبان والشابات في جميع الأقسام.
وتتبع الأوركسترا نظاما تعليميا محددا يبدأ في شهر سبتمبر وينتهي في شهر يونيو يقام خلاله العديد من الحفلات الموسيقية العامة مع قادة موسيقيين ضيوف وعازفين منفردين بالإضافة إلى إقامة الحفلات الخاصة أمام المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم وخلال الإجازة الصيفية يسافر العديد من العازفين إلى أوروبا لحضور دورات في العزف الموسيقي لزيادة خبرتهم والعمل مع موسيقيين من مختلف الدول والثقافات بالإضافة إلى ذلك تقيم الأوركسترا رحلات خارجية تحيي خلالها حفلات موسيقية خارج البلاد.
ويقع المقر الرئيسي للأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية بولاية السيب بمجمع “المقامات” وهذا الاسم هو الكلمة العربية المرادفة للنمط الغربي بالسلم الموسيقي، ويتضمن المجمع أكاديمية يتم فيها تعليم المواد العلمية والأدبية والموسيقية باللغة الإنجليزية مثل الرياضيات والعلوم والموسيقى وهي تحت إشراف واعتماد وزارة التربية والتعليم بالسلطنة وعندما يحصل الطالب على معدل جيد في المستوى الثامن في آلته الموسيقية يتم إلحاقه بالأوركسترا الرئيسية كعضو أوركسترالي.
وتضم الأوركسترا حاليًا طاقمًا تعليميًا من عدة جنسيات حيث تم تحديد مدرس خاص لكل آلة موسيقية يتولى تعليم مجموعته من الموسيقيين والإشراف عليها، كما يعطي دروسًا فردية وجماعية لإعداد الطلاب لدخول الاختبارات، كما أن هناك مبادرة جديدة لتدريب قادة أوركستراليين عمانيين حيث تخرج أحدهم بنجاح بدرجة الماجستير من المملكة المتحدة، كذلك يساعد تدفق القادة الأوركستراليين الضيوف والعازفين المنفردين لينعشوا الأوركسترا بالتعامل مع وجوه جديدة ذات خبرات عالمية تقدم تدريبا متخصصا عالي الجودة، كما ساعدت الدراسات الخارجية العديد من الموسيقيين العمانيين في الالتحاق ببرامج تعليمية في الكليات الموسيقية البريطانية لصقل مهاراتهم.
وإلى جانب برامجها فإن الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية تضمن حصول الموسيقيين على التعليم والانضباط الشامل في المجالات الأكاديمية المهمة الأخرى ومنذ تأسيسها في عام1985م، وفّرت الأوركسترا الفرصة للطلاب لمتابعة الدراسات الأكاديمية بجانب تعليمهم الموسيقى كما أن التوظيف مستمر في المدرسة والأوركسترا الرئيسية وتخطط الأوركسترا حالياً لاستقبال أكثر من خمسين طالبا في المستقبل القريب.
ويقارب عدد عازفي الأوركسترا السيمفونية بشكل عام حوالي 80 عازفا وتشكل عائلة الآلات الوترية حوالي 60 عازفا وبصفة عامة تعد الآلات الوترية أساس تناغم الألحان الموسيقية والتي تنقسم إلى خمسة أقسام بطبقات صوت مختلفة عبر المحيط الصوتي الواسع.
وعائلة آلات النفخ والنحاسيات أقل بكثير في العدد وتضيف لونا ولحنا إلى الأوركسترا ويمكنها إضافة قوة هائلة للأوركسترا السيمفونية، ويتكون قسم آلات النفخ من آلة البيكلو واحد بالإضافة إلى آلتي فلوت وآلتي كلارنيت وآلتي أوبوا وآلتي باسون مع آلات إضافية مثل كور أنجلاس، أوبوا دامور وباس كلارنيت وكونترا باسون.
تعتبر الألحان التي تقدمها آلات النفخ جميلة ومميزة حيث إن آلة البيكلو يمكنها العزف بصوت عال تميزه الأذن، بينما لآلة الباسون الغليظ يضاعف قوة آلات التشيللو والدبل باص وتتميز آلة الأوبوا بلحن حزين ويمكنها العزف بشكل جيد أمام آلة الفلوت الحساسة بنبرتها المتواضعة والرشيقة.
وترجع أصول آلات الفلوت والأوبوا والباسون إلى فترة العصور الوسطى بينما أُضيفت آلة الكلارنيت في وقت لاحق إلى الأوركسترا العصرية «يعد موزارت من أوائل من استخدموا آلات الكلارنيت» وتتميز بلونها البني الداكن وبصوت جذاب ومؤثر جدا، كما تعود أصول الآلات النحاسية والنفخ إلى موسيقى الهواء الطلق وغالبا ما ترتبط بأنشطة متعلقة بالفروسية.
وترجع أصول الآلات الإيقاعية والطبول في الأوركسترا إلى موسيقى الهواء الطلق وتعد هذه الآلات ضرورية جدا للأوركسترا السيمفونية وتشمل عادةً آلتي تمباني أو “كِتِل درامز” وبما أنها أقل شيوعا فإنه يُضاف إليها في كثير من الأحيان آلات الصنج والمثلث والطبل الكبير والطبل الجانبي.
ولم تشتهر آلات الهارب في موسيقى العصرين الباروكي والكلاسيكي إلا أنها ظهرت بانتظام في موسيقى العصرين الرومانسي وما بعد الرومانسي وكان البيانو القيثاري القديم ضروريا جدا في موسيقى الأوركسترا في العصر الباروكي إلا أنه اختفى في نهاية القرن الثامن عشر.
وتساهم كذلك آلة الأرغن أحيانا في التركيبة الأوركسترا لية ويضيف البيانو لونا إلى الموسيقى الرومانسية الحديثة وأوركسترا القرن العشرين إلا أنه يتم تعويضها من خلال وجود حصة الأسد من معزوفات الكونشرتو المنفردة – حوار بين العازف المنفرد المحترف وباقي الأوركسترا.
إن النجاح الذي حققته الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية طوال 30 عاما الماضية والتي تضم بين جنباتها شبابا وشابات عمانيين يستحقون الثناء على التزامهم وتفانيهم نحو فنهم يعزى إلى التوجيهات السديدة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- ورؤيته السامية الثاقبة وثقته الكريمة في أبناء عمان وفي نجاح تأسيس هذه الأوركسترا ورعايته الكريمة الدائمة لها.