مالونزا: علاقات وطيدة مع سلطنة عُمان
الضوياني: التاريخ يُشكّل عبر مسيرته بأحداثه المختلفة
هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية تفتتح
المعرض المتحــفي الدائـم في لامو
رسالة لامو (كينيا):
افتتحت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، المعرض المتحفي الدائم للوثائق والمحفوظات والمقتنيات التاريخية للوجود العماني في شرق إفريقيا والأثر العماني في مقاطعة لامو بعد تحسينه وترميمه، وذلك تحت رعاية معالي بينينا مالونزا وزيرة السياحة والحياة البرية والتراث بجمهورية كينيا، بحضور سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وعدد من الوزراء والمحافظين والسفراء المسؤولين وعدد من الشخصيات العمانية في ممباسا ولامو وماليندي، جاء هذا الافتتاح بإشراف ومتابعة من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وبالتنسيق مع سفارة السلطنة في كينيا، وبالتعاون مع وزارة السياحة والحياة البرية والتراث الكينية. وذلك في إطار جهود هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في التعريف بالجوانب الحضارية والتاريخية للعمانيين ودورهم في المنطقة. ايماناً من الهيئة لتثبيت الشواهد والمواقع الاثرية، كما يعد المشروع أحد المعالم الأثرية والمعمارية التي ينتظر أن تقوم بأدوار ثقافية متنوعة، يهدف من خلالها إلى تأكيد التواجد العماني بكينيا، الى جانب تأكيد عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وترسيخ القيم العمانية النبيلة بما يعكس تاريخ عمان وتراثها وثقافتها.
حيث توصلت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية الى صيغة تفاهم مع الجانب الكيني بالتنسيق مع سفارة سلطنة عمان في نيروبي من أجل قيام الهيئة بتنفيذ المشروع وفق المواصفات والتصور الذي تم اعتماده من الجانبان العماني والكيني، استهدفت التحسينات في المتحف سبع قاعات احتوت على مادة تاريخية ووثائقية متنوعة، ممثلة في: قاعة عُمان عبر الزمان، وقاعة التراث البحري العُماني، وقاعة الإنسان والمجتمع، وقاعة سلاطين أسرة البوسعيد في شرق إفريقيا، وقاعة السلطان قابوس بن سعيد -طيَّب الله ثراه- (1390-1441هـ/ 1970-2020م)، وقاعة نهضة عُمان المتجددة الحديثة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم المعظم، وقاعة الوجود العُماني في شرق إفريقيا، احتوت على مادة تاريخية ووثائقية متنوعة. كما شملت عملية التحسين والتطوير الجوانب الترميمية والإنشائية للأسقف والجدران والارضيات وأعمال الجبس والابواب التاريخية العمانية والنوافذ وصناديق العرض والانارة وشاشات العرض وتصنيع مجسم للسفينة العمانية سلطانة التي جابت البحار والمحيطات لتحكي عمليات الإبحار والتواصل التجاري العماني في شرق افريقيا. كما شمل العمل تحسينات وصناديق عرض لمتحف لامو لمقتنيات الجانب الكيني وأعمال الترجمة للمقتنيات بالثلاث اللغات، وقد تجسدت أعمال المعرض المتحفي لتكون حكاية للتاريخ العماني من خلال قاعات المعرض المتنوعة. ليؤكد هذا المشروع عمق العلاقات العمانية الكينية وعلى حسن التعامل والصداقة التي تربط سلطنة عمان بجمهورية كينيا.
تتمثل القاعة الأولى في قاعة عٌمان عبرالزمان حيث تتناول عصور ما قبل التاريخ، كما تتناول الهجرات العمانية، وعمان في عهد النباهنة واليعاربة ومراحل التحرير ضد الغزو البرتغالي والفارسي وإلى عهد الدولة البوسعيدية، حيث يتناول الحقب الزمنية المختلفة مدعوما بالوثائق والاتفاقيات والمقتنيات الاثرية والأوسمة والمنتجات التجارية وقد وصفت الوثائق التاريخية باللغات الثلاث العربية والسواحيلية والانجليزية.
فيما تتثمل القاعة الثانية بالتراث البحري العُماني، حيث للأنسان العُماني علاقة وطيدة بالبحر، فالتاريخ البحري العُماني تاريخًا شاهداً على الحضارة العُمانية الأصيلة؛ إذ أبحر العُمانيون عبر الطرق البحرية التجارية إلى الصين وشرق أفريقيا، حاملين رسالتهم عبر البحار والمحيطات، واستجابوا لطلب الأهالي في مساندتهم وطرد المحتلين وإعادة الأستقرار للبلاد. واليوم تواصل عُمان علاقتها بالبحر؛ متمثلة في أسطولها العصري، وموانئها المزدهرة، وكذلك في إحياء موروثها البحري القديم؛ حتى أصبحت في طليعة دول المنطقة في هذه المضمار، فالسفن والمراكب التقليدية ما هي إلا رمز من رموز علاقة عُمان ببقية العالم.
واطلق على القاعة الثالثة قاعة الإنسان والمجتمع، حيث تحكي الحياة الاجتماعية للإنسان العماني، وتجسد الأزياء التراثية ذات الطابع المميز التي تمثل أصالة المجتمع وتلفت انتباه الزائر فهو تراث يعتز بها العمانيون. كما تعرض المقتنيات الأثرية من الأسلحة والسيوف والخناجر والأعمال الفضية. اما قاعة عمان الحديثة فتتناول المعالم التنموية في سلطنة عمان من مشاريع التعليم والصحة والمعالم السياحية وصور لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم المعظم، كما زودت بشاشات عرض تبث أفلاما عن عمان باللغتين العربية والانجليزية. كما يشمل المعرض قاعة للسطان قابوس-طيب الله ثراه- تروي تاريخه وإنجازاته وولادته ونشأته وفترة حكمه ووفاته. اما قاعة سلاطين أسرة البوسعيد في شرق إفريقيا تسرد فترة حكم أسرة البوسعيد في شرق إفريقيا منذ السلطان السيد سعيد بن سلطان سلطان عُمان وزنجبار وملحقاتها وحتي فترة السلطان جمشيد بن عبدالله ١٩٦٣-١٩٦٤م. إلى جانب قاعة الوجود العُماني في شرق إفريقيا.
علاقاتٌ وطيدةٌ
قالت معالي معالي بينينا مالونزا وزيرة السياحة والحياة البرية والتراث بجمهورية كينيا، هذه مناسبةٌ فريدةٌ من نوعِها لنا في جمهوريةِ كينيا؛ لا سيما المواطنينَ هنا في مقاطعةِ لامو؛ الذينَ تربطُهم علاقاتٌ وطيدةٌ معَ سلطنةِ عُمان منذُ القرنِ السادسَ عشر. ومقاطعةُ لامو ثريةٌ بالتراثِ والثقافة إلى جانب الزراعة. وكما تعرفونَ فإنَّ العُمانيينَ أولُ من وَصَلَ إلى هنا منذُ القدم فقد أستقروا قديما في لامو. وتركوا تاريخاً عظيماً، وهناك الكثير مما فعلوه هنا واليوم نحتفل بهذا الافتتاح الكبير للمتحف الذي أعد ليبرز تاريخ سلطنة عُمان ودورها الملاحي والتجاري والثقافي في المنطقة الساحلية لكينيا وشرق إفريقيا، خاصة الدين الإسلامي الذي انشترت تعاليمه في لامو من قبل العمانيين والعرب، كما نود الإشارة إلى المتحف الوطني الكيني الذي يحتوي على التاريخ الغني والتوثيق للثقافة العمانية والارتباط الاجتماعي بين البلدين، ونشكر سلطنة عُمان على العمل الرائع الذي قامت به في هذا المتحف الأثري.
روابط الأخوة والدم
فيما قال سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، في كلمة الافتتاح
أنه لمن دواعي سرورنا وامتنانا وعظيم تقديرنا لكم جميعاً حضوركم هذا الحفل المبارك الذي يجسّد معاني المحبة والمؤدة ورقي التعامل الحضاري لمجتمع لامو الذين اسهموا في جعل مدينتهم مدينة حضارية وتاريخية ، أكدوا من خلالها على نمط العيش الذي جمعهم وألّف الله بين قلوبهم على التسامح الذي غدا صفة من صفاتهم وخصالهم الحميدة، هكذا صارت الشعوب والأمم تمضي فُرادا وجماعات تهاجر من بقاع وأصقاع مختلفة وتحط رحالها حيث تطمئن نفوسها وتستقر لتتخذ تلك الأماكن أوطانا ، هكذا شهدت الخليقة والخلق مرور أقوام وتأتي أقوام أخرى تهجر أماكن وتتزاحم في بقاع أخرى وتتصاهر وتتعايش وتتواصل وتتصل بالحضارات والثقافات فتُّكون ثقافة ولغة وعادات وتقاليد تكتسبها بمرور الزمن لتتشكل هويتها وكيانها السياسي والاجتماعي والثقافي، وأضاف سعادة الدكتور رئيس الهيئة شهدنا هجرات لقبائل من قارات أخرى ومن مدن في القارة نفسها إلى مدن أخرى ، هكذا شهدت قارة أفريقيا موجة من الهجرات منذ ما قبل الميلاد فكان التواصل العماني منذ الألف الثالثة قبل الميلاد حركة تجارية وتواصل عبر البحار والمحيطات في سلسلة من القبائل والجماعات العُمانية المختلفة فضلاً عن هجرات من شتى القارة الأفريقية إلى مدن الساحل وتواصل هجرات عربية أخرى لتقيم معهم إمارات في مدن مختلفة، وتشكل قوة تدافع عنهم أثناء تعرضهم إلى الغزوات المختلفة وذلك للذود عن مدنهم وكياناتهم التي أسسوها معاً وحافظوا على مدنهم ومجتمعاتهم وكيانهم الاجتماعي والثقافي ونظامه وهياكله الإدارية والتنظيمية، حيث أضحت لامو ولاية على رأس إدارتها والى يرعى شؤونهم ويجمع لحمتهم الاجتماعية في إطار من المشاركة الاجتماعية التي أبرزتها الوثائق والأدلة التاريخية حول اختيار الولاة والمعنيين بالنظام الإداري من حيث تنظيم الحياة الاجتماعية والشؤون الدينية والثقافية والاقتصادية وأعمال البر والإحسان ، واليوم تعيش كينيا في كنف نظام إداري واجتماعي يجسد المحبة والمودة بين جميع سكانها، وها نحن نشهد في لامو نموذج من العيش المشترك والتواصل الاجتماعي والتعاضد والتعاون وفق نظامها الإداري الجيد لدى حاكم مقاطعة لامو .
وواصل سعادته حديثه قائلاً: التاريخ يُشكّل عبر مسيرته بأحداثه المختلفة سلسلة متواصلة لأي مجتمع لا يمكن فصل حقبة دون الأخرى، ولهذه الغايات المنشودة والأهداف المرجوة تَبرزُ بوضوح العلاقات المتينة التي جمعتنا بإخواننا هنا في جمهورية كينيا الصديقة وروابط الأخوة والدم والعلاقات الأسرية التي تتجسد فيما يربطهم بسلطنة عُمان من وشائج القربى وتعزيز متواصل لهذه العلاقات مع كينيا وحكومتها وشعبها الوفي الطيب الذي نكن له كل التقدير والاحترام، وندعو الله أن يكتب لهذا البلد الطيب بأهله كل التقدم والازدهار تحت الرعاية الحكيمة لفخامة الرئيس وليام روتو وحكومته الموقرة، وأن ينعم الله على سلطنة عُمان كل الخير والتقدم تحت ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه.
المِصداقية والشفافية
من جانبها قالت سعادة أومي محمد بشير، وكيلة وزارة السياحة والحياة البرية والتراث الكينية: نتشرفُ بهذهِ الشراكةِ والتعاونِ معَ سلطنةِ عُمان للحفاظِ على تاريخِنا المشترك؛ من خلالِ صيانةِ وترميمِ هذا المبنى المتحفي، وهذا ما يزيدُ من الترويجِ السياحيِ للمنطقةِ وما جاورها، وسرُ العلاقةِ المميزةِ جداً بينَ سلطنةِ عُمان وجمهوريةِ كينيا يتمثلُ في المِصداقية والشفافية. وأبدت سعادتها اعجابها بما يقدمه المعرض المتحفي وما يزخر به من معلومات ذات أهمية كبيرة لتعريف الأجيال بتاريخ المنطقة والدور العماني في لامو خاصة. وأضافت نحن في غاية الفخر بارتباطنا بسلطنة عمان، حيث أن الحضارة في كينيا والمجتمع السواحلي ترتبط بين الحضارة الإفريقية والعربية، ولذلك نحن فخورون بأن السلطنة استطاعت تقريب هذه العلاقة.
نبذة تاريخية عن متحف لامو
تم تأسيس المبنى التاريخي في عام 1892م من قبل عبد الله بن حمد بن سعيد البوسعيدي والي لامو في عهد السلطان السيد علي بن سعيد بن سلطان البوسعيدي (1890-1893م)، بعد استصلاح مساحة من الأراضي داخل المحيط، ويجسد المبنى طراز المنازل الراقية التي تعود للقرن 19 الميلادي الواقعة على الواجهة البحرية، وهو ما يشكل اختلاف جذري عن المنازل الحجرية التقليدية التي كانت شائعة في الفترة السابقة، وقد حوّل المبنى ليكون مقراً لإقامة الوالي المعين من قبل سلاطين الأسرة البوسعيدية في زنجبار.
كما تم استخدامه لاحقاً من قبل شركة شرق إفريقيا التابعة للإمبراطورية البريطانية (I.B.E.A) وكبار المسؤولين الاستعماريين البريطانيين قبل أن يصبح مقر إقامة المفوض المسؤول عن المنطقة حتى عام 1968م، قبل أن يؤول أخيراً لهيئة المتاحف الوطنية في كينيا وحولته إلى متحف في عام 1971م.
ومنذ ذلك الحين أصبح متحف لامو مركزاً للمصادر التعليمية، وتم تخصيصه للحفاظ على هوية سكان الساحل وحفظ المواد المتعلقة بتاريخهم وثقافتهم وتقاليدهم، حيث يضم المتحف قطعاً أثرية تتعلق بأربع مجموعات عرقية أصلية في لامو بما في ذلك السواحيلية والبوني وبوكومو وأورما، وفي عام 2023م قامت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بسلطنة عُمان بالتنسيق مع سفارة السلطنة في نيروبي وبالتعاون مع وزارة السياحة والحياة البرية والتراث الكينية بإجراء بعض التحسينات على المتحف، استهدفت التحسينات في المتحف سبع قاعات احتوت على مادة تاريخية ووثائقية متنوعة.