إصدار كتاب الإمبراطورية العُمانية من سواحل أفريقيا إلى سواحل الهند الامتداد والتواصل الحضاري والثقافي واللغوي
هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية تصدر الجزء الأول من موسوعة
الإمبراطورية العُمانية من سواحل أفريقيا إلى سواحل الهند
“الامتداد والتواصل الحضاري والثقافي واللغوي”
أصدرت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية الجزء الأول من موسوعة الإمبراطورية العُمانية من سواحل أفريقيا إلى سواحل الهند “الامتداد والتواصل الحضاري والثقافي واللغوي”، ضمن المجلد الثامن والعشرين من سلسلة البحوث والدراسات في الوثائق الوطنية والدولية، يحوي الكتاب 521 صفحة متضمنةً 16 بحثاً حول علاقات الإمبراطورية العُمانية بالدول المطلة على سواحل أفريقيا والمناطق المجاورة لها وسواحل المحيط الهندي والخليج وصولاً إلى الصين خلال الفترة من القرن السابع عشر إلى التاسع عشر، تنوعت موضوعاتها بين تاريخية وسياسية وجغرافية واقتصادية واجتماعية وثقافية. حيث تعد سلطنة عُمان نقطة تقاطع برية وبحرية لدول شرق أفريقيا والمحيط الهندي والخليج عبر التاريخ نظراً لموقعها الجغرافي والاستراتيجي الذي جعل منها أيضا مركزاً اقتصادياً وسياسياً، ووطد الروابط التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية والإنسانية بين سلطنة عُمان وشعوب ودول المحيط الهندي والخليج، ومن هنا تأتي أهمية إصدار هذه الموسوعة للتأكيد على تلك الروابط بما فيه خدمة الإنسانية في نشر المعرفة العلمية والفكرية.
وقد تطرقت الأوراق البحثية والدراسات إلى موضوعات وقضايا متنوعة تم تقسيمها إلى أربعة أبواب الأول الإمبراطورية العُمانية من سواحل أفريقيا إلى سواحل الهند: الامتداد والتواصل التاريخي والسياسي والاقتصادي والحضاري والثقافي واللغوي، وفي الباب الثاني يتحدث عن الرحلات البحرية العُمانية إلى المواني الصينية والامتداد والتواصل الحضاري والثقافي واللغوي، فيما يتناول الباب الثالث التجار والبحارة العُمانيون في الخليج وسواحل أفريقيا والمحيط الهندي والامتداد والتواصل الحضاري والثقافي والأدبي واللغوي، اما الباب الرابع الحراك التجاري والجغرافي والسياسي العُماني في الخليج وسواحل أفريقيا والمحيط الهندي والامتداد والتواصل الحضاري والاجتماعي والثقافي والأدبي واللغوي . الجدير بالذكر الأبواب الثلاثة الأولى باللغة العربية، وأما الباب الرابع فهو يشمل دراسات وبحوث باللغة الإنجليزية والفرنسية.
الضوياني: نظرة مشتركة
وفي مقدمة الكتاب يقول سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية يهدف الإصدار بمجلداته المختلفة إلى دراسة علاقات الإمبراطورية العُمانية بدول مطلة على سواحل أفريقيا والمناطق المجاورة لها وسواحل المحيط الهندي والخليج وصولاً إلى الصين خلال الفترة من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر دراسة معمقة، وتجلي عناصر الوحدة بين أقاليمها، وثراء التنوع في مجتمعاتها، والاستمرار والتغيير في عاداتها وتقاليدها، وإثراء التعايش السكاني على الحياة الثقافية والعمرانية، وتأكيداً للنظرة المشتركة بين كل من سلطنة عُمان ودول سواحل أفريقيا والمناطق المجاورة لها وسواحل المحيط الهندي والخليج لإبراز هذه الجوانب وتجسيد هذه العلاقة واستمرارها وتطوير التواصل والإخاء، وترسيخ ذلك للأجيال فيما يربط هذه المجتمعات من علاقات أسرية وطيدة، ويكمن ذلك التفاعل في إبراز التواصل الحضاري في رسم مسارات العلاقات بين عُمان ودول سواحل أفريقيا والمناطق المجاورة لها وسواحل المحيط الهندي والخليج، وذلك لاستعراض مسيرة تاريخ وحضارة عُمان والعديد من الدول واستجلاء الجذور والمرجعيات التاريخية للتطور.
وأضاف الضوياني بأن التاريخ هو مستودع التجارب وكاشف الحقائق، ولا بد من الانتفاع به، وذلك من خلال الرجوع إلى المصادر الأصلية سعيا إلى كتابة تاريخ شامل يقوم على منهج علمي دقيق ومؤصل، فضلاً عن افتقار المكتبات العربية والأجنبية وعدم معرفتها واطلاعها بوضوح وشمولية لهذا العمق العُماني في هذه المناطق، وخشية تغييب هذا الإنجاز الحضاري والتاريخي العُماني، فإن الإصدار يلقي الضوء من خلال استعراض البحوث المتنوعة والمحاور ليكشف جانباً من الجوانب الحضارية لعُمان ودورها وإسهامها الإنساني في الحضارة الإنسانية في هذه المناطق، كما سيكون رصيداً هاماً مدوناً يبرز حقائق التاريخ المشرق لعُمان، بأقلام مختلفة لباحثين من دول عديدة.
بناء السفن
في ذروة إزهار الإمبراطورية البحرية العُمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أصبحت عُمان تملك خبرة كبيرة في بناء السفن المزودة بأحدث الأنظمة الملاحية في ذلك الوقت وحرص القائمون على بناء السفن على النواحي الجمالية فيها ولذلك تميزت بشكلها الجذاب حتى أن أحد الكتاب الفرنسيين وصف رحلة في سفينة من النوع المعروف باسم “البغلة” قائلا كانت نوافذ السفينة جميلة وجذابة كما تميزت السفينة المصنوعة من خشب التيك بوجود نقوش غاية في الدقة ومقدمتها المنحنية للأمام باتجاه البحر لتبدو السفينة كما لو كانت بجعة تسبح في النهر حيث كانت عملية زخرفة السفن تتم باستخدام أدوات بسيطة كالمطرقة والأزميل. كما أن عملية بناء السفن كانت تتم بحسب المشاهدة بالعين والتنفيذ باليد دون أن تكون هناك أي مواصفات مكتوبة أو رسومات. وكان يتم ملئ الفجوات باستخدام خليط من الجبس ودهن سمك القرش وكان هذا النوع من القوارب هو الأفضل في منطقة الخليج كلها، كما كانت وراء السمعة البحرية المميزة والكبيرة التي تمتعت بها السلطنة قبل اكتشاف السفن التي تعمل بالبخار.
مسقط: الميناء الخفي
كان أول ذكر لمسقط كميناء في أوائل القرن الأول عندما أشار إليها عالم الجغرافيا اليوناني بطليموس باسم “الميناء الخفي” وكانت هناك وثيقتان في القرن التاسع تحددان طرق الملاحة من الخليج إلى الصين، وكانت مسقط نقطة حيوية في هذه الطرق حيث كانت آخر مكان للتزود بالمياه من جانب السفن المتجهة من الخليج إلى الهند وشرق أفريقيا وما بعدها.
كذلك فقد ظهر اسم ميناء مسقط في العديد من الخرائط البحرية التي تؤكد على أهمية المدينة كميناء رئيسي واقع على طرق التجارة العالمية في ذلك الوقت. وعلى سبيل المثال: خريطة طريق التوابل الصادرة في العام 1649م والتي تغطي طريق التوابل من رأس الرجاء الصالح إلى منطقة البنغال في الهند، حيث ظهرت مسقط بشكل بارز على الخريطة، كما كانت السلطنة نقطة التقاء هامة للتجارة بين منطقة البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي. وكان يتم نقل التوابل والشاي والذهب والعاج والحرير والبضائع الأخرى من الهند والصين وجزر التوابل في قوارب إلى منطقة الخليج ثم يتم بعد ذلك نقلها في قوافل من الإبل إلى البحر الأبيض المتوسط. وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كان ساحل مسقط جزءا من خرائط الطبوغرافيا البحرية لمناطق العالم نظرا لموقعه الاستراتيجي على طرق التجارة العالمية.
وقد قامت العديد من الدول وشركات التجارة والشحن بإرسال البعثات الاستكشافية لاكتشاف ساحل مسقط والتعرف على طبيعة أرضها وكان من نتائج هذه البعثات ظهور عدد من الخرائط والرسومات الدقيقة لمسقط والتي يمكن استخدامها في الأغراض التجارية والعسكرية.
وفي رسم يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر، كتب أحد الرسامين قائلا “إن ميناء مسقط هو الميناء الوحيد الذي تبقى فيه السفن آمنه طوال الوقت” ونظرا لموقع الميناء الاستراتيجي، فقد حاولت الكثير من القوى الاستعمارية الأوروبية السيطرة عليه، فبعد أن قام البرتغاليون باحتلاله في القرن السادس عشر حاولت فرنسا الاستيلاء على الميناء لأنه يوفر الدعم الخلفي المطلوب لأسطولها الموجود في موريشيوس ويؤمن طرق التجارة في باقي منطقة الخليج، كما حاولت بريطانيا بدورها ملاحقة الأسطول الفرنسي والسيطرة على مسقط لتوفير الدعم اللوجستي اللازم لأسطولها في المحيط الهندي وتعزيز تواجدها في المنطقة.
طريق الحرير
واذا رجعنا بالذاكرة إلى العصور القديمة السابقة للميلاد فقد كان الصينيون يجوبون مياه السواحل الأفريقية والمحيط الهندي والخليج، وكانت سفنهم تقوم برحلات طويلة فيما بين المواني الصينية ومواني الهند الغربية، وكان أيضاً للعُمانيين سفنهم التي كانت تبحر من مواني مجان أو عُمان إلى مواني الهند الغربية وإلى ساحل جنوب الهند حيث يلتقون هناك بالتجار الصينيين ويحصلون منهم ومن التجار الهنود على بضائع الصين والهند ويبيعونهم بضائع الجزيرة العربية الثمينة التي كان من أهمها البخور والعطور والبسور والنحاس واللبان واللؤلؤ، وبوصول البضائع الصينية والهندية إلى مواني الجزيرة العربية كان التجار العُمانيون والعرب ينقلونها على متن سفنهم وعلى ظهور قوافلهم عبر شبكة من الطرق البرية والبحرية إلى بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين والشام ومصر وساحل الحبشة، وكثر ثراء العرب من التجارة بالمواد الناتجة من مناطقهم وتلك المستوردة من الهند والصين.
الجدير بالذكر إن هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ستتولى مع دار لبان للنشر توزيع الإصدارات داخل السلطنة وخارجها من خلال منافذ البيع أو المعارض المحلية والدولية.